معركة تغيير «قواعد اللعبة»

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

في كلمته بمناسبة تكليفه برئاسة الحكومة العراقية الجديدة خلفاً لحكومة عادل عبدالمهدي المقالة، أكد مصطفى الكاظمي، أن أولويته ستكون موضوع الأسلحة «التي يجب أن تكون في أيدي الحكومة فحسب»، وأن الأهداف الأساسية لحكومته تتمثل في «محاربة الفساد وإعادة النازحين إلى بلادهم». ثلاثة أهداف يأتي على رأسها هدف نزع أسلحة الميليشيات، وهذا يعني العداء لإيران بالأساس، ولميليشيات «الحشد الشعبي»، خاصة تلك المعروفة ب«الميليشيات الولائية»، أي الموالية لإيران. 

 وعندما تعمد الكاظمي زيارة الولايات المتحدة، وإيران، كلاً على حدة، فإنه أراد أن يبعث برسالة إلى العاصمتين الأمريكية، والإيرانية، بأن العراق في عهده ينوي الأخذ بسياسة «النأي بالنفس»، والالتزام ب«الحيادية» في الصراع الدائر بينهما.

 ويبدو أن أياً من إيران، أو الولايات المتحدة، لم تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، بدليل أن الكاظمي عندما ردد هذه التصريحات في طهران في زيارته الأولى للعاصمة الإيرانية، (يوليو/ تموز 2020)، تم ردعه بقسوة من المرشد علي خامنئي الذي يعتبر أن العراق «قوة مفصلية» في ما يسمى ب«محور المقاومة»، ما يعنى أن العراق لا يمكن أن يكون «محايداً» في الصراع الإيراني- الأمريكي. بعدها جاءت زيارته لواشنطن ضمن جولة ثانية من «الحوار الاستراتيجي» بين البلدين، الذي لم يتعرض فقط لكيفية وشروط «الخروج الأمريكي» من العراق، ولكنه امتد لترتيبات علاقات التعاون الثنائي الأمريكي- العراقي في كل المجالات، ما يعني بقاء الوجود الأمريكي.

 كانت محصلة هاتين الزيارتين أن الظروف ليست مهيأة لتحقيق الأهداف التي أعلن الكاظمي الالتزام بها: فإيران لا تقبل بحيادية العراق، ولن تسمح بذلك، ولن تتخلى عنه كحديقة خلفية لنفوذها، ولن تسمح بإنهاء وجود ميليشيات الحشد الشعبي، لأنها تشكل أذرعها في العراق، والولايات المتحدة غير مستعدة لتسليم العراق لإيران، وإنما تقبل فقط بتنظيم العلاقة، لذلك انخرط الكاظمي للعمل في اتجاهين، أولهما محاربة الفساد وبسط سيادة الدولة على حساب نفوذ الميليشيات، والإعداد للانتخابات البرلمانية المقررة في منتصف هذا العام، والثاني تكثيف علاقات العراق الإقليمية مع ثلاثة محاور أساسية، أولها محور العلاقة مع كل من مصر والأردن التي ربما تقود إلى تأسيس تكتل اقتصادي ثلاثي كنواة لتكتل أوسع، يأخذ فيما بعد مفاهيم وأهداف سياسية، وثانيها مع دول الخليج، وثالثها مع تركيا لتخفيف حدة الاحتقان شمال العراق، وطموحاً لعلاقات اقتصادية أفضل.

 هذه العلاقات العراقية الإقليمية المتنامية تصب مباشرة في الاتجاه المعاكس للمشروع الإيراني في العراق، وتطمح في تخفيض اعتمادية العراق على إيران اقتصادياً، ومن ثم يمكن التخلص، ولو تدريجياً، من الضغوط الأمنية الإيرانية.

 هذا النشاط الملحوظ لرئيس الحكومة العراقية أثار التوجس لدى إيران ولدى الميليشيات العراقية الموالية التي تعمدت بين الحين والآخر إضاءة الأنوار الحمراء في وجه الكاظمي، وحكومته، من خلال شن هجمات صاروخية، بين الحين والآخر، على مقر السفارة الأمريكية في بغداد، وعلى معسكرات للقوات الأمريكية.

 والهجوم الذي تعرضت له السفارة الأمريكية والمنطقة الخضراء يوم الأحد (20/12/2020)، فجّر أسئلة شديدة التعقيد في ظل كونه يأتي في «الزمن الحرج»، أي قبل نحو ثلاثة أسابيع من حلول الذكرى الأولى لاغتيال سليماني، والتخوفات الأمريكية، و«الإسرائيلية»، من عمل انتقامي لهذا الاغتيال، وكونه يأتي في ما يمكن اعتباره سعياً دؤوباً من جانب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإيجاد «ذريعة» لضرب إيران لإرباك حسابات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، ومنعه من التقارب مع إيران.

 إيران تبرأت، هي والميليشيات الحليفة، من الهجوم، وأرسلت قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني (21/12/2020) إلى بغداد لتوضيح موقف إيران من الهجوم، حيث التقى قاآني بالكاظمي، وأبلغ المسؤولين العراقيين أن إيران «غير مسؤولة عن الهجمات على المصالح الأمريكية»، مؤكداً أن بلده «لن ينجر لعمل عسكري تحدد واشنطن وقته، ومكانه».

 هنا يجدر تساؤل مهم: لماذا أرسل الكاظمي مستشاره أبو جهاد الهاشمي إلى طهران؟ هل يعتقد الكاظمي أن هذا هو وقت تعديل قواعد اللعبة بين العراق، وإيران، المأزومة؟ هل يدرك أن تخوفات إيران من جرها إلى حرب خلال الأيام المتبقية من ولاية ترامب تشكل فرصة للضغط على إيران كي تعيد حساباتها مع العراق؟

 من الصعب الإجابة ب«نعم»، أو «لا»، لسبب أساسي، هو أن انضباط إيران مع أمريكا محكوم بالأيام المتبقية من ولاية ترامب، طموحاً لعلاقات أفضل مع بايدن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"