استعراض مالي لمجريات عام 2020 في العالم العربي

22:57 مساء
قراءة 3 دقائق
آراء وتحليلات
آراء وتحليلات

وليم طعمه *

عند استعراض مجريات الأحداث في عام 2020، من السهل أن نغفل أن العديد من الاقتصادات الكبرى في الشرق الأوسط كانت تعاني بالفعل، أزمات طاحنة قبل الجائحة.
فإن أردنا أن نتحدث عن بعض المشاكل التي كانت المنطقة تعانيها قبل أن يتغير كل شيء في شهر مارس، فيكفي أن نذكر انهيار أسعار النفط، وهبوط أسعار العقارات، وتراجع أرقام السياحة، وهناك الكثير غيرها. دفعت هذه المشاكل، الحكومات إلى التفكير في كيفية تعديل أجندة أعمالها الإصلاحية المعتمدة في ذلك الوقت، لمواجهة الوقائع الاقتصادية سريعة التغير.
ولهذا السبب كانت الاستجابة الإقليمية لهذه الجائحة جديرة بالملاحظة أكثر من غيرها. والملاحظ في الخطوات التي اتخذتها الحكومات على مدار العام الماضي في مكافحتها لهذه الجائحة، أن أوجه تشابه كثيرة اتخذتها المنطقة مع المنهجيات التي انتهجتها الاقتصادات الأكثر تقدماً، وكذلك بعض الاختلافات الجوهرية.
فعلى سبيل المثال، لم تحذُ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حذو الاقتصادات المتقدمة الكبرى في ما يخص تدخلات البنوك المركزية واسعة النطاق، في أسواق الأصول، وحزم الإعانات الحكومية المباشرة للأجور. عوضاً عن ذلك، قدمت حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الدعم الاقتصادي من خلال الإنفاق من الميزانية وضمانات القروض الهادفة إلى الحفاظ على تدفق الائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي (في مقابل الاقتصاد المالي). وإضافة إلى ذلك، ساعدت تدابير تأجيل سداد القروض المؤقتة على دعم الأسر المعيشية، وقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة الأكثر تضرراً من الأثر الاقتصادي للجائحة.
وتفاوت حجم هذه التدابير التخفيفية تفاوتاً كبيراً عبر مختلف أنحاء المنطقة. ولم تؤدِّ السياسة النقدية التقليدية دوراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو أمر مفهوم في ضوء أن عملات الأردن والبحرين وعمان والسعودية والإمارات مربوطة بالدولار الأمريكي. ويعني هذا الربط أن أسعار الفائدة يجب أن تتبع الديناميكيات التي وضعها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والذي خفّض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 50 نقطة أساس في الثالث من مارس، وبمقدار 100 نقطة أساس أخرى بعد أقل من أسبوعين.
وقد قوبل توزيع اللقاحات التي طال انتظارها في الأسابيع الأخيرة، بحالة مفهومة من الارتياح في جميع أنحاء العالم، ولكن الداء الذي بقي دون دواء، هو الذي أصاب الشركات والقطاعات التي تضررت بشدة جراء الأثر المالي المدمر للفيروس هذا العام.
ومع شروع الحكومات حول العالم في إلغاء تدابير الدعم باهظة التكلفة، ستواجه مزيد من الشركات مصيرها وحدها في واقعنا الجديد، إما بالانهيار أو بالازدهار. وعند هذه المرحلة، سيصبح الأثر الاقتصادي الأطول أمداً للجائحة، أكثر وضوحاً.
بالعودة إلى الحديث عن الهشاشة الاقتصادية التي عانتها اقتصادات الشرق الأوسط في بداية هذا العام، علينا أن نتذكر أن التحديات التي أثرت في العديد من الاقتصادات الكبرى في المنطقة قبل تفشي الجائحة لم تنتهِ بعد. ستكون السنة القادمة حاسمة في ضمان عدم تسبب التداعيات طويلة الأجل لكوفيد ـ 19 في أضرار أكثر فداحة من الفيروس نفسه. هذه من أبرز القضايا التي من المقرر أن يطرحها اجتماع المائدة المستديرة المقبل لمعهد المحللين الماليين المعتمدين الذي سيناقش الآثار الناتجة عن سياسات الحكومات، جراء تعاملها مع هذه الجائحة، فضلًا عن مصادر المخاطر الجديدة التي ربما تكون قد نشأت في أثناء ذلك.
من بين المخاطر التي تتبادر إلى الذهن على الفور نجد إدارة الديون التي ستشكل تحدياً للعالم ككل في عام 2021. فقد ارتفعت معدلات العجز في جميع أنحاء العالم، نتيجة لاقتراض الحكومة والشركات هذا العام، إضافة إلى أعباء الديون الوطنية.
والآن، تحتاج الحكومات في جميع أنحاء العالم العربي إلى القدر نفسه من البراعة في التعامل مع هذه المخاطر.
*محلل مالي معتمد، الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"