عادي

كتابـة جيمـس جويـس.. ثـورة علـى فـن الروايـة

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
3

القاهرة: «الخليج»

يعد أدب جيمس جويس،  ثورة على فن الرواية، الذي كان شائعاً في عصره، وهو الأدب الطبيعي الذي يؤمن بتقديم صورة حية من الحياة الواقعية، كما هي، سواء بجمالها أو ببشاعتها، في أدق التفاصيل وأوضحها، وفي سبيل الوصول إلى غرضهم، يوردون كل التفاصيل الدقيقة في ما يصفونه أو يكتبون عنه، مما يعطي العمل الفني، في نظرهم، واقعية حية، تجسد الحوادث والشخصيات أمام القارئ، غير أنهم اقتصروا في وصفهم ونظرتهم على النواحي الخارجية مما يكتبون عنه فحسب، كأن يصفوا ملابس الشخصية أو صفاتها الجسمانية.

التزمت الواقعية عند البعض حدود نظرتهم الخاصة، فكان القارئ يتعرف إلى شخصيات رواياتهم وأعمالهم عن طريق وسيط ثالث، حاضر أبداً، هو المؤلف، لقد وجد جويس نفسه وسط هذا الجو التقليدي فلم يتقبله كغيره؛ بل أخذ يجد باحثاً عن تجديدات أخرى، في الكتابة، ووسائل أخرى للتعبير، بعد أن أتاحت له رحلاته إلى مختلف دول أوروبا الاطلاع على النشاط الأدبي المتنوع في العواصم المهمة ومنها باريس، وكان أن اهتدى إلى الطريقة المشهورة في الأدب باسم «تيار الوعي».

ثلاثة أشكال

إن الفن يقسم نفسه تبعاً للضرورة إلى ثلاثة أشكال، يتطور الواحد منها إلى الآخر، ومن هذه الأشكال الشكل الغنائي، وهو الشكل الذي يقدم فيه الفنان فكرته بانعكاس من شخصيته، ثم الشكل الملحمي وهو الشكل الذي يقدم فيه الفكرة بانعكاس من شخصيته ومن شخصيات الآخرين، ثم الشكل الدرامي وهو الشكل الذي يقدم فيه الفنان فكرته بانعكاس مباشر من الآخرين.

هذه الفكرة التي أنطق بها جويس بطله المشهور «ستيفن ديدالوس» الشخصية الأولى، ولعلها الأخيرة، في روايته «صورة للفنان في شبابه» التي صدرت ترجمة عربية لها عن دار رؤية للنشر والتوزيع للدكتور ماهر البطوطي، تنطبق تمام الانطباق على أدب جويس نفسه؛ بل يمكن أن نجد صدى لهذه الفكرة ذاتها في فكر كل فنان أصيل، وشرح الفكرة هو أن الكاتب أو الفنان يبدأ مهنته الفنية بتعبير مباشر عن نفسه عن العواطف والأحاسيس، التي تختلج بها روحه بطريقة تلقائية مباشرة.

يشرح جويس ذلك بقوله: «الشكل الغنائي هو في الواقع أبسط كساء لفظي لانفعال ما، هو صيغة ذات إيقاع، كتلك التي كان يطلقها من يجدف في القارب أو ذلك الذي كان يدفع الصخور فوق أحد المنحدرات، ويشعر من ينطق بها بلحظة الانفعال أكثر مما يشعر بنفسه كشخص يحس بهذا الانفعال».

جوانب خفية

ركز جويس، اهتمامه على الفرد، على الإنسان، الذي لا تبرز فيه صفة خاصة، تكون كل شيء فيه، إنما الإنسان كما هو في الحقيقة والواقع، فمن الواضح أنه لا يمكن أن يكون إنسان ما خيراً أو شريراً طوال عمره، أصبح الإنسان عبارة عن لحظات من الشعور، وتختلف هذه اللحظات باختلاف الظروف والمواقف، فقد تأتي لحظة من الشر بعد الخير، وهكذا لم تعد للإنسان أو للفرد في الرواية الحديثة شخصية معينة ثابتة، وقد عرف كتاب الرواية هذه الحقائق كلها كما قدمها لهم علم النفس، وأدركوا أن هذا الجانب المختفي في الإنسان هو الأجدر بالتصوير.

لقد اهتم  الكتاب المحدثون بالحياة الداخلية للفرد بدل الخارجية، وصوروا صراع وعلاقة الدوافع والعناصر مع بعضها البعض في داخل نفسه، بدلاً من تصوير صراعه مع أفراد آخرين، ويرتكز المذهب النفسي عند جويس على تقديم الأفكار والخواطر التي ترد على العقل في خلال جميع ألوان التجارب الخاصة منها والعادية، فقد عمد إلى إيلاج كاميرا فوتوغرافية إلى عقل شخصياته ووجه عدستها لا إلى الخارج؛ بل إلى العقل نفسه، لتقديم صورة لما يجول فيه من ملايين الأفكار والذكريات عن مختلف الموضوعات.

ولد جيمس جويس في دبلن بأيرلندا سنة 1882 وتلقى دراسته في بعض مدارس الجيزويت ثم بالجامعة الملكية حتى تخرج في كلية الآداب عام 1902 وانتقل إلى باريس ودرس الطب، لكنه عاد إلى دبلن عند وفاة والدته وعمل بالتدريس فيها فترة ثم استأنف سياحته في أوروبا وقد توفي سنة 1941 وكان قد كتب روايته «صورة للفنان في شبابه» خلال عشر سنوات وهي أول حلقة من سلسلة فنية كما خططها في أواخر هذه الرواية (الحلقة الغنائية) التي يكتب فيها الفنان عن حياته وتجاربه.

أهم ما تتميز به الرواية أسلوبها وبناؤها الفني، فالأسلوب ينحو منحى أسلوب هيمنجواي في كتاباته المتميزة بالجمل القصيرة المتقطعة، الأسلوب البرقي، والفرق بين استعمال هيمنجواي لهذا الأسلوب واستعمال جويس له، أن استعمال الأول ناتج عن الرغبة في الوصول بالصنعة الفنية إلى مناخات جديدة، بينما استخدم جويس هذا الأسلوب كطريقة طبيعية لتيار الوعي الذي يسعى إلى تصويره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"