عادي

كيركجارد..الفزع مفتاح حرية الاختيار

23:22 مساء
قراءة 3 دقائق
3

القاهرة: الخليج

صدر كتاب «مفهوم الفزع» للفيلسوف الدانماركي كيركجارد عن دار الرافدين، بترجمة عن اللغة الدانماركية لقحطان جاسم، حيث يكشف الكتاب عن مفهوم الفزع، لدى كيركجارد، وكيف أنه يمثل إمكانية أمام الإنسان لكي يختار، أي أن يقرر حريته.

يقول قحطان: إن الكتاب جزء من مشروع لترجمة أعمال كيركجارد من لغته الأم إلى اللغة العربية، وقد صدر هذا الكتاب باسم مستعار هو فيجيليوس هاوفنينسس، ويعني بالدانماركية «الكوبنهاجني اليقظ».

اختيار كيركجارد اسماً مستعاراً، يعود إلى أنه يعالج موضوع الفزع بشكل مباشر، من خلال مراقبة أفعال الناس وطريقة تصرفاتهم وكيف يواجهون الفزع، وهدفه من ذلك هو ألا تنسب الأفكار المطروحة في الكتاب بشكل مباشر إليه .

إضافة إلى أن استخدامه للاسم المستعار، يعد تعبيراً عن أسلوبه في الكتابة، وما يتسم به فكره بشكل عام، فهو يستخدم طريقته التهكمية غير المباشرة؛ لانتقاد أفكار عصره ومفكريه، وعلى رأسهم هيجل، وطرح بدائل وتصورات تنفتح على تأويلات متعددة؛ حيث يعالج الكتاب مفهوم الفزع من وجهة نظر فلسفية، أي أنه ينظر إلى هذه المسألة باعتبارها ظاهرة وجودية تنفتح على فهم سيكولوجي للإنسان.

يميز كيركجارد بين الفزع والخوف، فالفزع شيء مختلف تماماً عن الخوف، فموضوع الخوف شيء محدد، أي أنه مجرد خطر ملموس وخارجي، بينما موضوع الفزع هو العدم أو «اللاشيء» أي شيء غير معروف يكمن في ذات الإنسان، وهذا اللامحدود هو بحد ذاته تذكير بأن الإنسان مخلوق «روحي» أو كما يشير إلى أن «الفزع يختلف كلياً عن الخوف ومفاهيم أخرى مشابهة توحي بشيء محدد».

لهذا السبب، لا يوجد فزع لدى الحيوان؛ لأن الحيوان بالذات لا يوصف بطبيعته كروح، وهكذا بينما يعيش الحيوان كما يبدو في تجانس مع طبيعته من دون التفكير بأنه يقوم بعمل خير أو شر، فإن الإنسان بالمقابل، لا يعيش في تجانس طبيعي مع حاجته؛ حيث يقوم منذ الطفولة بتطوير القدرة على التمييز بين الخير والشر.

هناك فرق آخر بين مفهوم الفزع والخوف الذي يجعلهما قريبين لغوياً، ويختلفان في المعنى والتأثير، إن الخوف يُعاش حصراً كشيء سلبي، وهو الذي يجعلنا ننفر ونشمئز، أما الفزع فإنه ملتبس وثنائي، أي أنه في آن واحد يبدو منفراً وجذاباً، والهدف من استخدام المفهومين، أن يصف كيركجارد العملية النفسية للإنسان وما يعتمل في داخله من أفكار ومشاعر، بينما يسعى لاتخاذ مواقف حياتية تجاه الإمكانات المتنوعة المطروحة أمامه والمتاحة له، أي بكلمة أخرى أن يختار حريته.

استعار العديد من المفكرين مفاهيم كيركجارد، وخاصة هايدجر في كتابه «الوجود والزمن» كما أنه هيأ الطريق، بفترة قبل سيجموند فرويد، لعلم النفس في معالجة ومناقشة واحدة من القضايا التي تشغل الإنسان، والمقصود بها فزعه الدائم من شيء قد يكون في داخله أصلاً، فالفزع يلازم كل اختيار وفعل وجودي، ومن خلال الفزع صار الإنسان «مسؤولاً».

يشير كيركجارد إلى أن البشر يجدون أنفسهم بين قطبين أو تناقضين في حالة معاناة وعذاب وجودية، لا لأن الأمر محتوم ومفروض؛ بل لأن الإنسان في وضع مفارقة، فعلى الرغم من أنه يختار الخير، فإنه في «اللحظة» التالية يعيد بذر الشر في العالم ويزيح الخير عن سلطته، ولهذا فلكي يعيش لحظة فرح واستقرار ذاتي فعليه أن يحافظ على توازن المعادلة في نفسه بين الجسد والنفس.

أي أنه يؤكد هنا الدور الذاتي والشخصي للإنسان في تحقيق هذا التوازن والتجانس، لكن هذا المسعى هو الذي يولد الفزع للإنسان؛ إذ من الصعب المحافظة على هذا التوازن، فأحياناً يميل الإنسان إلى الأبدي أو اللانهائي، وأحياناً يخضع إلى الزمني والمحدود، وفي مرات أخرى يعيش اختلال التوازن في معادلة الذات بين الجسدي أو النفسي و«الوصول إلى هذه اللحظة من الفرح، هو لحظة التوازن التي يعيشها الإنسان؛ حيث يكون للحب الأولوية في كل شيء».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"