عادي

كوبا.. تعايش عاصف أحياناً بين «الثورة» والثقافة

17:16 مساء
الصورة
كوبا

هافانا - أ ف ب
بعد شهرين على تعبئة غير مسبوقة يستمر فنانون كوبيون بالمطالبة بقدر أكبر من حرية التعبير؛ فيما تعتبر الحكومة تحركهم «مؤامرة سياسية»، في أحدث حلقة في التعايش المضطرب بين الثقافة و«الثورة الاشتراكية».
فلا الارتفاع الجديد في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في البلاد، ولا التغيرات الجذرية الحاصلة جراء توحيد سعري الصرف المعتمدين في الجزيرة منذ الأول من كانون الثاني/ يناير، أسكتت هذه المطالبات التي تحصل عموماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي في بلد بدّلت فيه خدمة الإنترنت النقال الحياة اليومية منذ توافرها نهاية العام 2018.
وتحمل الصحف الرسمية والنشرة الإخبارية يومياً تقريباً على هذه الحركة؛ مؤكدة أنها تأتي بإيعاز من «عدوة كوبا اللدودة»؛ أي الولايات المتحدة.
ويعود النزاع في الأساس إلى تعبئة قام بها 300 فنان احتشدوا مدة 15 ساعة تقريباً في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر أمام وزارة الثقافة للمطالبة بالمزيد من حرية التعبير في تحرك غير مسبوق في كوبا.
وأتى هذا التجمع غداة استخدام العنف لطرد 14 شاباً كوبياً كانوا معتصمين في مركز وسط هافانا للمطالبة بالإفراج عن مغني راب مسجون.
إلا أن اعلان السلطات في 27 تشرين الثاني/نوفمبر فتح حوار مع الفنانين لم يتبلور، ويتحدث الشاعر والكاتب أليكسيس دياس بيميينتا بسخرية «عن حديث طرشان في اتجاهين».
وتؤكد السلطات المستاءة من تشديد الحصار الأمريكي في عهد دونالد ترامب أن الأمر «للتمويه على محاولة انقلاب».
وقال الرئيس الكوبي ميغيل دياس-كانيل: «كانت المحاولة الأخيرة التي كان يمكن لمؤيدي ترامب والمافيا المناهضة لكوبا (في ميامي) القيام بها في إطار استراتيجية الحرب غير التقليدية لمحاولة الإطاحة بالثورة».

الطريق سيكون طويلاً
وترى ماريا إيسابيل الفونسو الخبيرة في الشؤون الثقافية الكوبية في «سينت جوزف كوليدج» بنيويورك أن ردة فعل الحكومة ليست بجديدة، فهي تستخدم أدوات الماضي نفسها؛ مثل تجميع حشود حول محتج لشتمه وتوبيخه؛ أو «وصف أي شخص بالمرتزقة لأنه يفكر بطريقة مختلفة».
وتضيف: «أصبحت الإقامة الجبرية منتشرة كبديل للتوقيفات»، وتطال فنانين وصحفيين مستقلين.
ويروي فرناندو بيريس الذي يعتبر أكبر سينمائي كوبي على قيد الحياة، ولعب دور الوسيط بين الطرفين؛ أن تجمع 27 تشرين الثاني/نوفمبر «كان تظاهرة سياسية عبر عنها بطريقة شاعرية من دون عنف؛ مع أغان وقصائد».
ويضيف المخرج البالغ 76 عاماً: «هؤلاء الشباب رسموا صورة كوبا التي حلم بها الكثير من الكوبيين، وما زالوا يحلمون».
وأتى هذا النزاع بعد سلسلة طويلة من المواجهات منذ عهد فيدل كاسترو الذي عرّف بالسياسة الثقافية من خلال هذه العبارة: «ضمن الثورة: كل شيء، ضد الثورة: لا شيء».
وقد كان القمع الأقوى بين العامين 1971 و1976 في مرحلة عرفت بـ«الخمسية الرمادية».
فبتأثير من الاتحاد السوفييتي جرت عملية تطهير واسعة في أوساط الفن والثقافة؛ مع استبعاد كل من لا يحترم «المعايير» التي حددتها السلطات؛ أي أن يكون «ثورياً».

مفارقة
وكان الفنانون الذين يعاقبون بسبب «مشاكل إيدولوجية» يرسلون عموماً للعمل في الحقول أو ورش البناء.
وقد سحبت أعمال لكتاب معروفين مثل خوسيه ليساما ليما، وفيرخيليو بينييرا من المكتبات؛ أو منعت من العرض في المسارح، ومنع ما لا يقل عن 23 شاعراً من إصدار أعمال خلال هذه الخمسية على ما يقول الكاتب أرتورو آرانغو.
وتشدد ماريا إيسابيل ألفونسو على وجود «مفارقة»، موضحة بالقول: «فمع وجود دعم (من السلطات) للفن والثقافة؛ قامت مجموعات سلطة مؤسساتية ثقافية وليس فقط سياسية، بتقويضهما من خلال إملاء ما ينبغي أن يكون عليه الفن في إطار الثورة».
والفرق مع النزاع الحالي هو أن التعبئة هذه المرة أتت عفوية، وتم تناقلها عبر الإنترنت؛ ما فاجأ السلطات التي اضطرت في 27 كانون الثاني/يناير إلى الجلوس إلى طاولة الحوار.
ويقول فرناندو بيريس: «وجد الشباب في شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة للتعبير بحرية وبدينامية تتماشى مع العصر؛ فيما وجدت وسائل التواصل الجامدة نفسها في موقع غير مؤات».
وتشير ماريا إيسابيل ألفونسو إلى أن «الجديد أيضاً هو المطالبة القوية» من فنانين ومثقفين «بتوفير شرعية للإبداع المستقل، ووضع حد للإذعان للشرطة واحترام حقوقهم. على السلطات أن تتوقف عن معاقبة الشخص الذي يفكر بطريقة مختلفة، وفتح حيز للحوار».