ماذا يجري في لبنان؟

00:42 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لا يمكن التسليم بأن ما يحدث في لبنان، وعلى وجه التحديد في طرابلس، مجرد غضب شعبي للأغلبية الساحقة من الفقراء والمعدمين، من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والإغلاق بسبب جائحة كورونا، فحسب، مع أن هذه الحقيقة لا جدال فيها، ولكنها لم تكن أبداً معزولة عن الصراعات السياسية وتصفية الحسابات وتضارب المصالح الداخلية والخارجية.

عند الحديث عما جرى في طرابلس وما يجري في لبنان عموماً، لا يمكن تجاهل تداعيات سلسلة الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد منذ فترة طويلة، بسبب التحالف الشيطاني بين منظومة الفساد والترهيب، وفق تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي عبر عنها الحراك الشعبي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بالمطالبة برحيل كل الطبقة السياسية دون استثناء. 

ولم يكن شعار «كلن يعني كلن (جميعهم)» إلا إدراكاً لدى أغلبية اللبنانيين بأن الطبقة السياسية المتنفذة متورطة في الفساد على مدار عقود، وأنها هي من وضع البلاد على شفا الانهيار. وبالتالي، فقد وُوجه هذا الحراك السلمي بالقمع الوحشي، باعتباره يمثل تهديداً للنظام الفاسد برمته، لكنه مع ذلك لم يتراجع إلا بسبب جائحة كورونا التي فرضت إجراءات مواجهتها قيوداً على حركة الناس بلغت ذروتها بالحظر والإغلاق الشامل، بينما عمقت تداعياتها الأزمة الشاملة وجعلت أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، وبالتالي لم يعد للفئات الشعبية الفقيرة والمعدمة من خيار سوى الخروج إلى الشارع للتعبير عن سخطها وغضبها ضد الطبقة السياسية، حيث لم تعد هذه الفئات قادرة على تأمين لقمة العيش.

كانت طرابلس المرشحة الأبرز لانفجار الغضب الشعبي لأسباب كثيرة، لعل في مقدمتها أنها تضم الشريحة الأوسع والأكثر فقراً في المجتمع اللبناني، مقابل فئة قليلة من أثرى أثرياء لبنان، لكن هذا التحرك الشعبي سرعان ما وجد نفسه أسيراً للاستغلال والاستثمار السياسي من قبل جهات متصارعة، تعمل على تصفية الحسابات فيما بينها، سواء لإثبات النفوذ أو استخدامه كورقة ضغط في الملف الحكومي، مشفوعة برسائل سياسية للداخل والخارج، الأمر الذي دفع مجموعات «حراك 17 أكتوبر» إلى الانكفاء وترك الشارع لمجموعات تابعة لجهات متصارعة، قيل إن بعضها تم استقدامه من بيروت ومناطق أخرى، وقامت بعمليات الحرق والتخريب والاعتداء على المؤسسات والمقرات الحكومية، كما تشير التقارير، ما دفع القادة السياسيين  على اختلاف مشاربهم  إلى الاصطفاف للتنديد بهذه الاعتداءات، والمطالة بالتحقيق في ملابساتها. 

غير أن ما يلفت الانتباه هو انعكاس ذلك على الملف الحكومي، حيث احتدم السجال بين الرئيسين عون والحريري، على نحو بات ينذر بقطيعة يصعب إعادة وصلها، مع تشدد كلا الطرفين، في ظل فشل الوساطات الساعية إلى مصالحتهما وإعادة إطلاق عجلة هذا الملف، ما يعني انتظار حدوث توافقات إقليمية أو دخول دول كبرى على الخط، من بينها زيارة ثالثة لماكرون إلى بيروت، لكن ذلك يعني أيضاً إطالة أمد الأزمة ومعاناة اللبنانيين، وإلا فالانفجار الشامل قادم لا محالة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"