أهمية التكنولوجيا في قيادة الانتعاش المستدام

00:10 صباحا
قراءة 4 دقائق

رولاند بوش *

خلال الأزمة المالية لعام 2008، أتيحت الفرصة أمام العالم لتشكيل اقتصاد أكثر استدامة. ووفقاً للخبير الاقتصادي نيكولاس ستيرن، فإن الظروف الاقتصادية والتكنولوجية في ذلك الوقت كانت ستجعل من السهل إحراز تقدم بشأن تغير المناخ. لكننا فشلنا في استيعابها.

وبعد مرور اثني عشر عاماً، نجد أنفسنا في خضم أزمة صحية واقتصادية غير مسبوقة، مع أقل من عقد للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتجنب تغير المناخ الكارثي.

تمنحنا الأزمة الحالية فرصة فريدة للضغط على زر إعادة التهيئة، ووضع العالم على مسار أكثر استدامة. ومع تزايد عدد سكان العالم ونسبة الشيخوخة وتزايد الفقر المدقع مرة أخرى، نحتاج إلى إيجاد طرق لزيادة الإنتاجية ضمن الموارد المتاحة، واستخدام مصادر طبيعية أقل.

ولكن لتحقيق ذلك، علينا أن نحول آلية عمل القطاعات التي تشكل العمود الفقري لاقتصاداتنا، مثل أنظمة الرعاية الصحية، والصناعات، والبنية التحتية، وأنظمة الطاقة والنقل. باختصار، نحن بحاجة إلى تغيير حياتنا اليومية.

والنبأ السار هنا أننا نمتلك التكنولوجيا لتحقيق ذلك. فقد لعبت التكنولوجيا دوراً أساسياً في الحفاظ على عمل اقتصادنا ومجتمعنا خلال هذه الأزمة، ويمكنها أن تلعب دوراً أكبر في دفع الانتعاش الاقتصادي المستدام.

وتستطيع التقنيات الرقمية أن تجعل التصنيع أكثر إنتاجية، وأقل استهلاكاً للموارد، وأن تجعل سلاسل التوريد أكثر مرونة. كما يمكنها أيضاً تعزيز التكامل الواسع النطاق للطاقة المتجددة، وجعل المدن أكثر ملاءمة للعيش، وتحسين كفاءة النقل، وتقديم الرعاية الصحية بشكل أفضل.

ومن الرسائل المهمة التي أوصلها الوباء، أن الاقتصادات الصحية تعتمد على السكان الأصحاء. لذلك يجب ألا ننسى حقيقة أنه قبل اندلاع الجائحة، كانت أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم تحت الضغط بالفعل بسبب ارتفاع التكاليف ونقص الموارد.

لكن مع إدخال التكنولوجيا، تحسّن تشخيص الأمراض وعلاجها، وتم تخفيف الأعباء على أنظمة الرعاية الصحية. وأصبح بإمكان المساعدين الرقميين المدعومين بالذكاء الاصطناعي مساعدة أطباء الأشعة في تشخيص الصور الطبية، على سبيل المثال. وتمكنت حلول الأتمتة، كمثال آخر، من تسريع الاختبارات المعملية وإنجاز مئات الفحوص في الساعة، والحصول النتائج في غضون دقائق فقط.

ولم تؤد الموارد والجهود غير العادية التي تم تخصيصها لتطوير لقاح ل«كوفيد-19» حتى الآن إلى لقاح واحد فقط، بل إلى لقاحات عدة معتمدة، وأخرى محتملة. حيث إن الأزمة الحالية سلطت الضوء أيضاً على التحديات المتعلقة بتطوير اللقاحات بشكل عام، والتي قد تستغرق غالباً ما يصل إلى عشر سنوات.

ويمكن أن تساعد التكنولوجيا أيضاً الصناعات التي تتجاوز الرعاية الصحية على التكيف خلال هذه الأوقات المضطربة، وما بعدها. ويمكن لتطبيقات إنترنت الأشياء أن تجعل العودة إلى العمل آمنة، وإنشاء تجارب عمل مستقبلية. من خلال جمع بيانات الوقت الفعلي عن الإشغال، ما يمكّن الموظفين من حجز أماكن العمل والحفاظ على التباعد الاجتماعي.

وقد تعاونت شركة «سيمنز» مع «سيلزفورس» لإتاحة مثل هذا العرض وبسرعة. وسيكون التعاون الأكبر داخل النظم البيئية ضرورياً لمواجهة تحديات عالمنا سريع التغير.

وبالنظر إلى أن العالم يولد أربعة أخماس استهلاكه من الطاقة من الوقود الأحفوري، فإن الانتقال إلى اقتصاد نظيف سيكون أحد أكبر التحديات والفرص في هذا العقد. وسيتطلب تحولاً جذرياً، من طريقة التصنيع إلى الطريقة التي نستهلك بها الطاقة وحلول السفر. وستكون الإجراءات التي نتخذها حاسمة.

وإضافة إلى تسهيل التوسع في الطاقة المتجددة، فإن السيارات الكهربائية، وأساطيل الحافلات، وشاحنات النقل، والسكك الحديدية، ستقطع شوطاً طويلاً نحو إزالة الكربون من قطاع النقل، الذي يمثل ما يقرب من ربع جميع الانبعاثات العالمية.

وتقدم حلول الهيدروجين طريقة سريعة لتسريع هذا الانتقال. حيث تعمل «سيمنز» مع شركة السكك الحديدية الألمانية «دويتشه بان» لتطوير قطارات تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني بهدف استبدال أسطولها الذي يعمل بالديزل.

كما سيقلل محرك الهيدروجين الجديد من طرح نحو 330 طناً من ثاني أوكسيد الكربون السام سنوياً. حيث تقوم الشركة الألمانية حالياً بتشغيل نحو1300 قطار يعمل بالديزل في الخدمة الإقليمية.

لكن التكنولوجيا وحدها لا تكفي. نحن بحاجة إلى قرارات شجاعة وإجراءات جماعية جريئة أيضاً. وبالنسبة للشركات، يعني هذا الاستثمار في التقنيات الجديدة حتى في الأزمات. وللحكومات، يعني هذا دعم التحول والابتكار من خلال السياسات الصحيحة وبرامج التحفيز، ومقاومة الضغط الحاصل لإبقاء الأعمال غير الفعالة، أو الصناعات كثيفة الكربون.

إلى ذلك، من المشجع أن نرى القادة السياسيين في الاتحاد الأوروبي ودول أخرى يضعون التنمية الاقتصادية الرقمية والخضراء في صميم برامج التعافي الخاصة بهم. وقضية الاستثمار واضحة. إذ يمكن أن يخلق الاستثمار الصحيح في البنية التحتية الصديقة للمناخ مزيداً من فرص العمل ويحفز النمو الاقتصادي. وشهدنا ذلك في غضون عشر سنوات فقط، حيث أصبحت مصادر الطاقة المتجددة صناعة عالمية، وفي عام 2019 خلق القطاع نحو 11 مليون فرصة عمل في جميع أنحاء العالم.

وقبل كل شيء، ولضمان انتعاش اقتصادي مستدام ومنصف، نحتاج إلى ضمان حصول الناس على المهارات المناسبة لدعمهم ودعم الشركات لتزدهر في المستقبل. وإضافة إلى الحكومات، تلعب الشركات أيضاً دوراً مهماً. ففي شركة «سيمنز»، ندرك أن موظفينا هم أعظم ما نملك. وقد استثمرنا في العام الماضي 320 مليون يورو في تعليم وتدريب الموظفين.

كما أن لدينا أيضاً التزاماً تجاه المجتمعات التي تنشط فيها الشركة. وعلى سبيل المثال، قدمنا في مصر تدريباً مهنياً ل5500 موظف على مدى أربع سنوات لدعم التنمية المحلية للمهارات الفنية.

ولعبت التكنولوجيا دوراً حاسماً في الحفاظ على دوران عجلة اقتصادنا ومجتمعنا في العام الماضي، ويمكن أن تلعب دوراً أكبر في دفع الانتعاش العالمي قدماً إلى الأمام. وفي الواقع، وفّرت لنا هذه الأزمة فرصة فريدة لتحويل اقتصاداتنا، وللإنصاف أكثر، ستكون مأساة حقيقية إذا فشلنا في اغتنام هذه الفرصة مرة أخرى.

* نائب الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة شركة «سيمنز» (المنتدى الاقتصادي العالمي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

نائب الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة شركة «سيمنز»

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"