حياد سويسرا تحت المجهر

00:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

سايمون تروب  *

من المؤكد أن تحديات الحياد السياسي في عالم يتخطفه الاستقطاب تتجاوز السياسة الواقعية إلى القضايا الأخلاقية. فعندما تستند سويسرا إلى حيادها لتبرير التردد في فرض عقوبات على روسيا أو رفض الانضمام إلى إعلان يدعو إلى إجراء تحقيق شامل في اغتيال الصحفيين، فإن هذا يثير أسئلة أخلاقية مهمة.

 أليس «الحياد» في مثل هذه الحالات اصطلاحاً مضللاً ؟ أليس من الأدق الحديث عن عدم تدخل سويسرا أو عدم التزامها؟ قد تفضل سويسرا عدم الانحياز في مثل هذه الأمور، لكنها بالتأكيد لا تتصرف بعيداً عما تمليه مصالحها. فالحياد هو التفوق الأخلاقي، بينما تمنح سويسرا التفضيل في المقام الأول لأجندتها الخاصة.

 من المسلم به أن سويسرا تشارك بنشاط في بناء السلام الدولي وتدعم سمعتها كدولة محايدة، مثل هذه الجهود على نطاق واسع. ومع ذلك، يرتبط حياد سويسرا من الناحية التاريخية، باستراتيجيتها الدفاعية ومصالحها الاقتصادية في المقام الأول. علاوة على ذلك، في حين أن الحياد السياسي كان في البداية وسيلة لتحقيق غاية، فقد أصبح، مع مرور الوقت، أسطورة سويسرية، وتحوّل إلى حالة يعيشها معظم السكان ويكرسون حياتهم لها. وقد عكس الرفض الشعبي الواضح للانضمام إلى الأمم المتحدة في عام 1986 هذا الأمر جيدًا، كما أن الاستطلاع الأخير الذي أجري بهذا الخصوص كشف عن أن نسبة 95٪ من السويسريين يؤيدون الحفاظ على الحياد.

 وفي حالات مثل تنفيذ العقوبات على روسيا، ينطوي الحياد السياسي على مخاطر التحول إلى الانتهازية أو شكل من أشكال التواطؤ المرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يعرف باسم «تفاهة الشر».

 وأصبحت فكرة «تفاهة الشر» شديدة التأثير لأنها تأخذ في الاعتبار أنه من الممكن ارتكاب أفعال شريرة دون وجود نوايا شريرة. وهكذا يمكن من خلالها تفسير كيف يمكن أن تحدث المجازر من دون وجود مجموعة من الوحوش البشرية. وقد يكفي أن يكون هناك بعض القادة الفاسدين وشعب مسالم وضع مصيره في أيديهم، ثم يسامون سوء العذاب.

 ويبقى هناك سؤال مهم، والإجابة النهائية عليه تختلف حسب كل حالة من الحالات. والسؤال هو: إلى أي مدى يمكن أن يرتبط عدم القدرة أو عدم الرغبة في الحكم المرتبط بالشر،بالتنازل من أجل الحفاظ على الحياد كما في الحالة السويسرية.

 المؤكد أن سويسرا ليست رمزاً للشر في أوروبا، واتهامها بذلك سيكون تصرفاً غير مسؤول. ومع ذلك، تمارس سويسرا من خلال الإصرار على حيادها، عملية توازن غير موفقة وتتزايد عيوبها مع مرور الزمن.

 إن الارتباط المفرط بقيم ومُثل الحياد يؤدي إلى حجب حقيقة أن الحياد السياسي ليس قيمة أو موقفاً مطلقاً. فالحياد عملية نسبية أولاً، ودائمة ومستقرة بطبيعتها. من هنا فإن اتخاذ القرارات التي تحدد موقفاً معيناً وإحداث التغيير في مجريات كثير من القضايا السياسية، لا يمكن اعتباره حياداً.

 ثانياً، لا يمكن اعتبار الحياد قضية كلية بمعنى «كل شيء أو لا شيء». يجب أن يكون من الممكن اتخاذ موقف محايد في بعض الأمور دون غيرها. ومن وجهة النظر الأخلاقية، هناك بالتأكيد فرق كبير بين ادعاء الحياد فيما يتعلق بنزاع تجاري مثلا، واتخاذ موقف حاسم في قضية ضم أراضي الغير.

 وفي عالم سياسي يزداد استقطاباً، قد لا يصبح الحياد بعيد المنال فحسب، بل قد يصبح أيضاً غير مقبول مع مرور الزمن. وبالنظر إلى التطورات العالمية الأخيرة مثل صعود القادة القوميين المتطرفين في بلدان مثل البرازيل وحتى الولايات المتحدة، وعمليات الإبادة الجماعية في بعض دول العالم، أو التخريب المتزايد للهياكل والقيم الديمقراطية حتى في بعض البلدان الأوروبية، فمن المؤكد أن سويسرا يجب أن تحدد موقفاً يفصل بين حيادها المزعوم وتأييدها لقوى الشر. وقد أثار اتفاقها مع الصين حول ترحيل معارضين للحكومة الصينية الصيف الماضي، جدلاً واسعاً حول جدية وجدوى حيادها.

* باحث وزميل في جامعة فرايبورج بألمانيا. (سويس إنفو)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث وزميل في جامعة فرايبورج بألمانيا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"