برأ مجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس السابق دونالد ترامب، أول أمس السبت، في ثاني محاكمة له خلال 12 شهراً، بعدما رفض الجمهوريون إدانته بشأن دوره في الهجوم الدامي الذي شنه أنصاره على مبنى الكونجرس، رغم أن زعيم الأقلية الجمهورية أكد أن ترامب مسؤول عملياً وأخلاقياً عن إثارة العنف، ورأت أغلبية أمريكية في استطلاع للرأي أن الرئيس السابق مسؤول جزئياً، وكان من الأوجب إدانته أو منعه من تولى أي منصب عام في المستقبل.
57 ضد 43
وجاء تصويت مجلس الشيوخ بأغلبية 57 صوتاً مقابل 43، وهو أقل من أغلبية الثلثين اللازمة لإدانة ترامب بتهمة التحريض على التمرد، وذلك في ختام محاكمة استمرت خمسة أيام في نفس المبنى الذي اقتحمه مؤيدو ترامب في السادس من يناير/كانون الثاني، بعد وقت قصير من حضورهم تجمعاً ألقى فيه ترامب خطاباً تحريضياً. وانضم للديمقراطيين في تأييد إدانة الرئيس السابق سبعة من أعضاء الشيوخ الجمهوريين الخمسين.
جاءت هذه الخطوة لاختتام المحاكمة، بعد أن أوقف الديمقراطيون والجمهوريون تمديداً محتملاً في الإجراءات يتعلق بتفاصيل الدليل الخاص بمكالمة هاتفية بين ترامب وأحد كبار الجمهوريين خلال حصار مبنى الكابيتول.
اتهام ودفوع وجدل
وجادل فريق الدفاع عن ترامب بأن المحاكمة ما كان يجب أن تعقد من الأساس؛ لأن ترامب ترك السلطة، كما أن خطابه وسط أنصاره محميّ بضمان الحق في حرية التعبير التي يكفلها الدستور الأمريكي. وترك ترامب الحكم يوم 20 يناير.
وكان الديمقراطيون يأملون الإدانة؛ وتهيئة المسرح لاقتراع يحرمه من تقلد منصب عام مرة أخرى. وقالوا إن السماح لترامب بتقلد منصب عام مجدداً سيجعله لا يتردد في تشجيع العنف السياسي مرة أخرى.
وكان الجمهوريون قد أنقذوا ترامب من العزل من قبل في الخامس من فبراير /شباط العام الماضي، خلال محاكمته السابقة، عندما صوت لإدانته وعزله من منصبه عضو جمهوري واحد بمجلس الشيوخ، هو ميت رومني. وأيد رومني الإدانة يوم السبت أيضاً، إضافة إلى ستة أعضاء جمهوريين آخرين.
براءة في مقام إدانة
وجّه زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل انتقادات لاذعة لدونالد ترامب، رغم التصويت على تبرئتة، معتبراً أنه «مسؤول» عن اعتداء 6 يناير على مبنى الكابيتول. وقال ماكونيل في خطاب عقب التصويت ، «لا شك في أن ترامب مسؤول عملياً وأخلاقياً عن إثارة أحداث ذلك اليوم». وأضاف «هؤلاء المجرمون كانوا يحملون راياته. يُعلّقون أعلامه، ويصرخون بالولاء له». ووصف ماكونيل تصرّفات ترامب التي أدت إلى ذلك الاعتداء بأنها «تقصير مشين في أداء الواجب».
وذهب ماكونيل أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن ترامب قد يواجه اتهامات الآن بعد أن ترك منصبه. وقال: «الرئيس ترامب لا يزال مسؤولاً عن كل ما فعله عندما كان في منصبه (...) لم يُفلِت من أيّ شيء بعد». ورغم ذلك، قال ماكونيل، إنّه صوّت لتبرئة ترامب ؛ لأنّه من غير الدستوري أن تتمّ إدانة رئيس في محاكمة عزل بعد تركه لمنصبه.
أغلبية شعبية مؤيدة للإدانة
وأظهر استطلاع أجرته «إبسوس» لصالح «رويترز» أن 71 في المئة من البالغين الأمريكيين، منهم نحو نصف الجمهوريين، يرون أن ترامب كان مسؤلاً بشكل جزئي على الأقل عن إطلاق الهجوم على مبنى الكابيتول، لكن الاستطلاع الذي أجري على مستوى البلاد، أظهر أيضاً أن نسبة أقل، نحو نصف الأمريكيين فقط، يعتقدون أن ترامب كان يجب أن يدان في محاكمته أمام مجلس الشيوخ بتهمة التحريض على التمرد أو يُمنع من تقلد المناصب العامة مرة أخرى.
هشاشة الديمقراطية
أعلن الرئيس الأمريكي بايدن أنّه رغم تبرئة ترامب من تهمة «الحضّ على التمرّد» فإنّ التهم الموجّهة إليه ليست موضع خلاف، وأنّ ذلك الاعتداء يُظهر أنّ «الديمقراطيّة هشّة». وقال بايدن بعد تبرئة ترامب: «هذا الفصل المحزن من تاريخنا ذكرنا بأن الديمقراطية هشة. يجب الدفاع عنها دائمًا. يجب أن نكون على الدوام يقظين».
وأشار بايدن إلى أن 57 عضواً في مجلس الشيوخ، منهم سبعة من الجمهوريين، صوّتوا بالموافقة على إدانة ترامب. وقال: «رغم أن التصويت النهائي لم يؤدِّ إلى إدانة فإن مضمون التهمة ليس موضع خلاف. حتى من عارضوا الإدانة، مثل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ماكونيل، يعتقدون أن ترامب مذنب «بالتقصير المخزي في أداء الواجب».
وتذكر بايدن ضابط شرطة الكابيتول برايان سيكنيك الذي قُتل خلال حصار مقر الكونجرس في السادس من يناير وغيره ممن وقفوا بشجاعة يؤدون واجب الحراسة ومن فقدوا أرواحهم.
أكبر حملة اضطهاد
من جهته قال ترامب، بعد أن قام زملاؤه من الجمهوريين بحمايته من المساءلة ، إن محاكمة مجلس الشيوخ كانت مرحلة أخرى من «أكبر حملة اضطهاد في تاريخ بلدنا». ورحب ترامب بتبرئته في مجلس الشيوخ من تهمة التحريض على التمرد، معتبراً أن حركته السياسية «بدأت للتو».
وقال ترامب، في بيان، إن «حركتنا التاريخية والوطنية والجميلة لجعل الولايات المتحدة عظمية مجدداً قد بدأت لتوها». وأضاف: «في الأشهر المقبلة لديّ الكثير لأتشاركه معكم، وأنا أتطلع لمواصلة رحلتنا الرائعة معاً؛ لتحقيق العظمة الأمريكية لشعبنا بأجمعه». وتابع: «لدينا الكثير من العمل أمامنا، وقريباً سوف ننهض مع رؤية من أجل مستقبل أمريكي مشرق وساطع ولا حدود له».
ودان ترامب المحاكمة الثانية لعزله في مجلس الشيوخ باعتبارها «مجرد مرحلة أخرى من أكبر مطاردة ساحرات في تاريخ البلاد». وقال: «لم يختبر أيّ رئيس قَطّ شيئاً مماثلاً كهذا». .(وكالات)
