بولندا بحاجة لخطة مارشال جديدة

01:16 صباحا
قراءة 4 دقائق

مارسين كوروليك *

يجب خلق الأساس لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي تضمن القدرة التنافسية للاقتصاد البولندي

لا تزال بولندا مصدر الشغب الأول ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي، حيث شكلت مع المجر جبهة لمعارضة فرض قانون سنّه الاتحاد لربط أموال صندوق التعافي بالالتزام بقوانين الاتحاد.
 وقد تصبح بولندا رابع أكبر مستفيد من صندوق التعافي الأوروبي البالغ 750 مليار يورو، والذي يمكن اعتباره خطة مارشال لما بعد الحرب. لكن الأمر متروك لنا ولحكومتنا فيما إذا كنا ننتهز هذه الفرصة التحويلية ونبني ميزة تنافسية للأجيال القادمة من البولنديين، أو نزيد من تخلفنا.
 فأي نوع من بولندا وأوروبا نريد أن نراه بعد زوال وباء كورونا؟ لا شك أن استخدام الأموال المتوقعة في إطار خطة التعافي الأوروبية لمكافحة الأزمة الاقتصادية يوفر فرصة فريدة لا يمكننا إهدارها.
 بات واضحاً أن النماذج الاقتصادية القديمة تفقد ميزتها التنافسية وفائدتها، والتحول هو استجابة ضرورية وحتمية للتهديد الوجودي للبشرية الذي تشكله أزمة المناخ.
ولا يمكن التعامل مع خطة الإنعاش الوطني البولندي كأداة لمكافحة الأزمة وحدها، ولكن يجب أن تخلق الأساس لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي تضمن القدرة التنافسية للاقتصاد البولندي، من خلال دعم التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر.
فقد أطلق قادة الاتحاد الأوروبي صفقة تاريخية بقيمة 1.8 تريليون يورو، ووافق قادة الاتحاد على الحل الوسط الذي تم التوصل إليه بين ألمانيا والمجر وبولندا لإلغاء حظر حزمة ميزانية الاتحاد الأوروبي التي يبلغ مجموعها 1.8 تريليون يورو، بعد أن أوضحت المفوضية الأوروبية أن آلية سيادة القانون ستكون سارية اعتبارًا من الأول من يناير/كانون الثاني.
 لتحقيق ذلك، يجب أن تأخذ في الاعتبار افتراضات الصفقة الخضراء الأوروبية وتقديم برنامج إصلاح حقيقي - بدلاً من أداة دعم مخصصة في عملية الانتعاش الاقتصادي فحسب.
 هذه ليست فرصة لمكاسب على مدى عام واحد، ولكنها فرصة لبناء الميزة التنافسية للأجيال القادمة. سوف يستغرق سداد الالتزامات التي تم التعهد بها اليوم حوالي 40 عاماً – أي ما يعادل عمر جيلين من الأوروبيين، بمن فيهم البولنديون.
نحن بحاجة إلى ترك الوقود الأحفوري وراءنا. وتعد جودة الهواء الرديء بشكل مقلق في بولندا اليوم، أحد التحديات الحضارية الرئيسية التي تواجه بلدنا. ويكفي الكف عن استخدام الوقود الأحفوري في المنازل، لحل هذه المشكلة بسرعة نسبية.
 ولا شك أن صندوق التحول هو أداة الاتحاد الأوروبي المصممة لتحقيق التوزيع المتكافئ للتكاليف على مناطق وفئات اجتماعية معينة. وتستطيع بولندا حالياً استخدام 50٪ فقط من الأموال المخصصة من هذا الصندوق. ولكي تتمكن من الحصول على المبلغ الكامل، يجب أن تلتزم بولندا بهدف الاتحاد الأوروبي للحياد المناخي بحلول عام 2050. وينبغي أن تفعل ذلك في أقرب وقت ممكن.
 ولكن ينبغي توجيه خطة الإنعاش الوطنية إلى الحكومات المحلية والمؤسسات الوطنية والمستفيدين الأفراد، وكذلك الكيانات الاقتصادية الصغيرة والكبيرة.
ولا بد أن يكون الدعم مشروطًا بتحليل أهداف الاستثمار. فهناك نماذج أعمال جديدة وأطر اقتصادية جديدة قائمة على التقنيات الرقمية، وآمنة على البيئة والمناخ، ومرنة في مواجهة حالة عدم اليقين في السوق، وعدم استقرار سلاسل التوريد العالمية.
 إذا استخدمت بولندا هذه الأموال في تنفيذ الإصلاحات المحددة، وأنفقتها دول أخرى على تقنيات جديدة، فإن الأجيال القادمة من البولنديين ستتخلف عن الدول الأخرى من حيث الميزة التنافسية.
 ويجب أن يكون للمجتمع رأي في هذه الخطة. ففي رسالة مفتوحة إلى الحكومة البولندية، وشاركت شخصياً في وضعها، تدعو المؤسسات والمنظمات إلى حوار حقيقي وإدماج نشط للمجتمع المدني ورجال الأعمال وممثلي الحكومات الوطنية والمحلية في عملية رسم الإصلاحات والمشاريع في إطار خطة الإنعاش الوطنية لمرحلة ما بعد كورونا. ويتطلب مثل هذا التحدي الكبير تعاوناً وحواراً مفتوحاً، وهو ما تتوقعه أيضاً المفوضية الأوروبية. ويجب استخدام خطة الإنعاش الوطنية لتحسين مستويات معيشة البولنديين وبناء أسس متينة للتنمية المستقبلية في البلاد.
 ومن المؤكد أن مجالات التدخل المتاحة واسعة جداً بدءاً من الاستثمار في التجهيزات الكهروضوئية في مباني الحكومة، ورقمنة الإدارة العامة وكهربة وتطوير النقل العام، لا سيما في المدن الصغيرة.
يجب أن تضمن خطة الإنعاش الوطنية أيضاً توفير تقنيات الاتصالات بالنطاق العريض لجماهير واسعة من الشعب. إن تسريع مكافحة تلوث الهواء والفيضانات التي تعرض حياة وصحة البولنديين للخطر هو مجال آخر ذو أولوية للتدخل ويتطلب إصلاحات منهجية.
نأمل أن تكون مقترحاتنا مساهمة إيجابية في خطة الإنعاش الوطنية لأننا نأمل في نقاش مفتوح وصادق ومتعدد الأطراف مع الحكومة حول مستقبل بولندا - على الرغم من حقيقة أن العديد من مقترحاتنا المقدمة حتى الآن لم يتم الرد عليها.
وقد تم تحديد ألف مشروع يمكن تنفيذها «بالوتيرة السريعة» لدعم التعافي الأخضر في الاتحاد الأوروبي،كما حددت شركة «إيرنست أند يونج» ألف مشروع أخضر تقول إنها ستساعد أوروبا على التعافي بشكل أقوى وأكثر مرونة من الركود الاقتصادي الناجم عن تفشي الوباء.

* مدير معهد الاقتصاد الأخضر الأوروبي (يورأكتيف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مدير معهد الاقتصاد الأخضر الأوروبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"