ما بعد «الأمل»

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.خليل حسين
بالأمس القريب كان مجتمع السعادة، اليوم في المريخ، غداً إلى أين؟
أما وأن «مسبار الأمل» قد نجح في الوصول إلى كوكب المريخ، فيعني ذلك أن البرنامج الإماراتي قد حقق الأهداف العلمية المبدئية التي وضعت كخطة طريق لمستقبل واعد، لن تتوقف عند تلك الانطلاقة الواعدة. فالإمارات التي وضعت برامجها لكي تكون بين الدول الخمس في نادي استكشاف الفضاء، والدولة العربية الأولى في هذا المضمار والثالثة عالمياً التي وصلت إلى المريخ، وضعت خطة ريادية طموحة لكي تكون لها في عام 2127 مستعمرة في المريخ، وهو طموح يتخطى القدرات العلمية والعملية التي يمكن أن تكون متاحة مستقبلاً، للتأكيد على جانب آخر يتصل بسياسات الدولة الاستراتيجية البعيدة المدى، التي تضعها من دون تردد وبتصميم وإرادة واعدتين. فالمشروع الإماراتي هو من نوع الخطط الأكثر من بعيدة المدى التي عادة ما تنحصر في عقد من الزمن، فيما المشروع القائم حالياً يتخطى القرن بكامله، وهو تحد إضافي يرسم معالم الفكر والقدرات الاستراتيجية التي تخطي بها مؤسسات الدولة وبرعاية مباشرة من قياداتها الرشيدة، التي تنتقل بالبلاد من إنجاز لإنجاز آخر، وسط تحديات إقليمية ودولية تتطلب سياسات رشيدة ورؤى حكيمة لتخطي مصاعب ومطبات تعجز عنها دول كبرى. طبعاً وبعكس ما هو شائع، من أن الأموال والقدرات المادية كفيلة بتحقيق الإنجازات، فإن الخلفية التي تتنقل بها الإمارات لا تنحصر بالقدرات والموارد المادية، وإنما من قدرات بشرية إماراتية خالصة تتسلح بقدرات علمية متقدمة عملت على مدى سنوات في تطوير قدراتها وبرامجها وخططها للوصول إلى هذه الخطوة الحاسمة التي وضعت الدولة ومؤسساتها وبرامجها في وضع هادف نحو الاستمرار قدماً وبدون التحفظ أو التفكير بالعودة للخلف. كما أن ذلك الأمر لا يتوقف فقط على الإرادة والتصميم، وإنما وجوب مماشاة التقدم العلمي والتكنولوجي المستمر، وهو ما يتطلب أيضاً تهيئة القدرات والطاقات والكوادر البشرية التي بدأتها أساساً وتمكنت في أوقات قياسية من تكوين نواة ذات قدرات وكفاءة عالية، تمثلت في إنجاز وصول «مسبار الأمل» إلى مدار المريخ. إن تلك الخطط والبرامج الواعدة التي تغطي في الحد الأدنى قرناً ونيفاً من التحديات، هي وجه من وجوه التفكير الجمعي الإماراتي المتصل بتحقيق وتنفيذ أهداف وغايات نوعية ريادية ذات صلة بمكونات وخصائص متقدمة في عمليات قياس حياة المجتمعات والشعوب، فمثلا دولة الإمارات العربية المتحدة التي وضعت خططاً ونفذتها للوصول إلى مجتمع السعادة، وأمنت لذلك كل الظروف المطلوبة، وسط عالم ينوء تحت تحديات ليس لها حدود، ذلك يعني ليس القدرة على التنفيذ فقط، وإنما إضافة إلى ذلك هو فعل إيمان لما يستحق هذا المجتمع الطموح. إن عالم الفضاء وما يتصل به من متطلبات، هو عالم خاص من الصعب الولوج في أسباره وخفاياه إلا عبر قدرات ذات طبيعة نوعية خاصة، تتميز بالقدرة على الاستمرار النوعي الدائم، الذي يتحلى أيضاً بخاصية توفير البدائل في الوقت والظرف المناسبين، وبالتالي عدم الاتكال على الفرص أو الإمكانات المتاحة في الظروف العادية، الذي يتطلب أيضاً خاصيات ذات صلة بنوعية التفكير والتصميم والإرادة وقدرات التنفيذ النوعية؛ لاسيما أن نوعية البرامج الموضوعة أقله في المدى المتوسط، هي برامج عالية الطموح، وتتركز فيما تتركز على اختبارات تقود للوصول إلى بيئات متصلة بالحياة على الكوكب الأحمر، وهو حلم راود الخيال العلمي منذ عقود طويلة. بالأمس القريب كان مجتمع السعادة، اليوم في المريخ، غداً إلى أين؟ ربما سؤال من نوع التحدي قياساً على الخطوات التي انطلقت بها الإمارات دون تردد، لكن وبكل بساطة، صممت، خططت ونفذت في يوبيلها الذهبي أن ترتقي إلى مستويات متميزة، ذلك التاريخ المتميز كفيل باستمرار بقائها بين الدول الأكثر تقدماً وطموحاً.
رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"