العملات الرقمية والمشفرة مصدر رعب حقيقي لاقتصاد الظل

18:00 مساء
قراءة 3 دقائق

مايك دولان *

تتمثل المشكلة الكبيرة للحكومات والبنوك المركزية في المدى الذي وصلت إليه بالفعل، أو ما إذا كان الانفجار الأخير في قيم العملات المشفرة على سبيل المثال، ينذر جزئياً بوصولها الوشيك.

وقامت السلطات النقدية من بكين إلى فرانكفورت خلال العام الماضي بتسريع خططها نحو العطاءات القانونية في شكلها الرقمي، لمواكبة انفجار العملات الرقمية للقطاع الخاص وأنظمة الدفع عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة. لكن كثرة الخطط والمفاهيم التي يتم تداولها حتى الآن تجعل من الصعب الحصول على صورة واضحة لما ستؤول إليه الأمور.

من المؤكد في الوقت الراهن، أن الانتقال إلى العملة الرقمية دق ناقوس الموت أمام الأوراق النقدية والعملات المعدنية كما نعرفها. صحيح أنه انتقال بطيء حتى الآن وحفزه التباعد الاجتماعي أثناء الوباء، لكن الأمر برمته قد لا يكون بعيداً؛ إذ تجري الصين بالفعل نسخاً رقمية تجريبية ويتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يبصر «اليورو الرقمي» النور في غضون أربع سنوات.

وفي حال اقتربت نهاية النقد المادي أو الملموس، سيتعين على الأشخاص أو الأنشطة التي تعتمد عليه بشكل كبير، والتي تضمن بشكل فعال إخفاء هوية أصحابها ومعاملاتهم، التكيف أو إيجاد طرق أخرى للقيام بالأعمال.

يعمل المستخدمون الأكثر وضوحاً للنقد المادي، وعلى عكس الأموال الإلكترونية الموجهة بين الحسابات البنكية داخل النظام المصرفي الحالي، فيما يسميه صندوق النقد الدولي ب «اقتصاد الظل» أو «الاقتصاد الخفي».

وبالنسبة للجزء الأكبر منهم، يقوم هذا النظام على بيئة تتجنب الضرائب والتنظيم والرقابة ويمكن أن يشمل أي شيء من الأسر التي تستخدم الأوراق النقدية لدفع أجور عمال النظافة والصيانة وطهي الطعام، وقد يمتد الأمر إلى الشروع في الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات أو حتى تمويل الإرهاب.

لكن حجم «اقتصاد الظل» هذا هائل، وبحسب تقديرات الخبراء في صندوق النقد الدولي قبيل صدمة «كوفيد- 19» بوقت قصير، فإن تأثيره في الاقتصادات الأوروبية الكبرى يصل إلى نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وما يصل إلى 35% في بعض الاقتصادات الناشئة في القارة العجوز.

بالنسبة لمنطقة اليورو وحدها، يبلغ حجم «اقتصاد الظل» أكثر من تريليوني يورو، ما يقرب من ضعف 1.2 تريليون يورو من الأوراق النقدية البنكية الملموسة، والغريب أنها لا تزال أكبر من القيمة السوقية البالغة نحو 1.5 تريليون دولار لجميع العملات المشفرة المعروفة.

لن يتلاشى النقد بين عشية وضحاها بالطبع، حتى عندما يتم إطلاق عملات البنوك المركزية الرقمية. ومن المفترض ألا ينتقل اقتصاد الظل كله إلى الروافد السفلية لعالم التشفير. في الواقع، يستشهد صندوق النقد الدولي بأبحاث مفادها أن الاستخدام الأكبر للمدفوعات الإلكترونية البسيطة وحدها يحد من اقتصاد الظل بشكل كبير.

ينصب الكثير من الاهتمام في أوروبا الآن على فكرة أن اليورو الرقمي عبارة عن وديعة ذات عائد صفري ومسؤولية مباشرة أمام البنك المركزي الأوروبي، يُدار بنفس الطريقة التي تثير فيها الأوراق النقدية مخاوف الاستقرار المالي.

ولمواجهة ذلك، اقترح عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي فابيو بانيتا والمدير العام للبنية التحتية للسوق والمدفوعات في البنك المركزي الأوروبي أولريش بيندسيل الحد من معدلات ودائع «الشق الأول» واقتصارها على الأسر فقط وبمبلغ أقصاه 3 آلاف يورو، ومعاقبة الحيازات التي تزيد على ذلك بشكل فعال، وتلك التي تحتفظ بها الشركات أو المستثمرين بأسعار فائدة سلبية للغاية.

وأضاف بانيتا، أنه في حالة حدوث أزمة مصرفية، قد تحتاج معدلات «الشق الثاني» السلبية إلى زيادة بنحو 3% لتجنب تهافت ودائع البنوك التجارية على عملات البنوك المركزية الرقمية.

ولكن ما هو مستبعد للغاية قيام أي شخص يعمل في «اقتصاد الظل» وحريص على تجنب الضرائب والملاحقات القضائية، في فتح حساب حقيقي يمكن تتبعه في البنك المركزي.

ويعتقد بعض الاقتصاديين أن إصدار عملات البنوك المركزية الرقمية يجب أن يكون على شكل «رموز رقمية».

ومع ذلك، وحتى مع عملة «البيتكوين» الرئيسية المشفرة، يمكن تتبع حركة الرموز من محفظة إلى أخرى إلى حد ما. ومن الصعب تخيل الاعتماد على رموز قانونية مميزة بنسبة 100% لإخفاء الهوية.

وفي انتقاد لخطط عملات البنوك المركزية الرقمية، وبأنها معرضة لخطر الفشل الكبير، شكك الاقتصاديان بيتر بوفينجر وتوماس هاس في أفكار الإيداع والرمز المميز لصالح وحدة «مخزن القيمة»، وهي شكل من أشكال الثروة التي تحتفظ بقيمتها دون نقصان.

يزعم الخبيران أيضاً أن فكرة عملات البنوك المركزية الرقمية غير المحدودة والمجهولة تماماً لن تتماشى مع لوائح مكافحة غسل الأموال.

* رويترز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"