الثروة البشرية الخليجية

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

على الرغم من التباين بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، اقتصادياً واجتماعياً، فإن هناك قواسم مشتركة تجعل المؤسسات الدولية تتعامل بسهولة مع مؤشرات منطقة الخليج بشكل مجمع دون تجاوز للمعايير العلمية في البحث واستخلاص النتائج. أصدرت مؤسسة «ستاندرد أند بورز» منتصف فبراير/شباط، تقريراً عن سوق العمل في منطقة الخليج والتغيرات التي برزت في عام وباء كورونا، وتبعاتها على المديين القصير والمتوسط. وخلص التقرير إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة، تختلف دول الخليج من حيث احتمالات مرورها بأي منها.

حسب تقدير المؤسسة الدولية، فإن منحى خروج العمالة الوافدة من دول الخليج مستمر هذا العام، بعدما بلغت نسبة خروج تلك العمالة من المنطقة العام الماضي 4% من إجمالي السكان. ولن تتراجع تلك النسبة إلا بحلول عام 2023. أما احتمال عودة معدلات العمالة الوافدة إلى مستويات ما قبل وباء كورونا في 2019، فربما لا يحدث في المستقبل القريب، وإنما ستعود نسبة كبيرة من العمالة الوافدة لتشكل نسبة قريبة من ذلك بعد عامين.

بداية، ولأن «ستاندرد أند بورز» واحدة من أكبر وأهم ثلاث مؤسسات تصنيف ائتماني في العالم وتلك التقارير والدراسات يستند إليها في تصنيفها الائتماني للدول والشركات، فإن التقرير يؤكد أن هذا التغيير في تركيبة سوق العمل لن يؤثر في التصنيف الائتماني لدول المنطقة، لكن استمرار خروج العمالة الوافدة ربما يؤثر في الإنتاجية ومستويات الدخل وخطط تنويع الاقتصاد، وإن بدرجات مختلفة من دولة إلى أخرى.

يفصل التقرير كيف أن العمالة الوافدة تمثل سلاحاً ذا حدين، فمن ناحية تسهم في زيادة النشاط الاقتصادي والنمو، وبالتالي تساعد على تنويع الاقتصاد وابتعاده عن الاعتماد على مصدر أساسي رئيسي كصادرات الطاقة. ومن ناحية أخرى تؤدي إلى تضخم الحكومة والقطاع العام، باعتبارهما مصدر توظيف رئيسياً للمواطنين. 

وبالتالي، يمكن لتراجع أعداد العمالة الوافدة أن يسهم في زيادة توظيف القطاع الخاص للمواطنين، كما أنه يؤدي إلى سياسات توظيف تعتمد على استقدام العمالة الماهرة والذكية، بدلاً من كثافة العمالة الوافدة غير الماهرة.

وفي سيناريوهات المستقبل، هناك سيناريو يستند إلى انخفاض الإنفاق العام، وبالتالي استمرار ضعف سوق العمل لعدم توفر الوظائف بكثافة، ما يعني استمرار الانخفاض في العمالة الوافدة وخروجها من المنطقة. أما السيناريو الثاني فيستند إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي والتوسع في المشروعات، ما يعني توفير وظائف أكثر، وبالتالي عودة استقدام العمالة الوافدة بقوة.

أما السيناريو الثالث، فيستند إلى مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية تعتمد على استقدام العمالة الوافدة الماهرة، مع تطوير وتنمية قوة عمل المواطنين. ويختلف ذلك عن سياسة التوطين التي تعتمدها دول مجلس التعاون الخليجي منذ فترة. ويبدو هذا السيناريو هو الأمثل، خاصة أن الدول الخليجية التي قطعت شوطاً كبيراً في تنويع اقتصادها تقوم بذلك بالفعل: تطوير الثروة البشرية واستقدام عمالة وافدة ماهرة أيضاً.

وفي هذه الحالة يمكن تفادي تأثر برامج وخطط تنويع الاقتصاد بخروج العمالة الوافدة من المنطقة. ويتسق ذلك مع أهمية تطوير الثروة البشرية الخليجية، عبر مخرجات التعليم والتدريب المهني، ليصبح توظيفها في القطاع الخاص تطوراً طبيعياً حتى لو لم تفرضه قوانين. ولعل الإمارات، من ناحية تقدمها، أكثر من غيرها في تنويع الاقتصاد والاستثمار في البشر، وتعد نموذجاً في ذلك لدول المنطقة وربما خارجها أيضاً.

مثال على ذلك، توالي الإنجازات العلمية الإماراتية في صناعة الفضاء وما برز من تأهيل كوادر علمية إماراتية على مدى سنوات. وعلى الرغم من أن برامج الفضاء ما زالت حكومية في الأغلب، فإن دخول القطاع الخاص في تلك الصناعة مستقبلاً سيجد من الكوادر المواطنة لتوظيفه، ما يقلل استقدام عمالة ماهرة في هذا المجال. أيضاً ساعد استثمار الإمارات في الثروة البشرية من مواطنيها في توفر الكوادر العاملة جنباً إلى جنب مع الوافدين المهرة، للتوظيف في الحكومة والقطاع الخاص.

الخلاصة أن سياسة تنويع الاقتصاد التي ربما تأثرت بسبب أزمة وباء كورونا، قد تستفيد بالأساس من الاستثمار في البشر. ونتيجة التطور التكنولوجي، والاعتماد على نشاطات مختلفة في عام الوباء، ستظل مستمرة في ما بعد، لا يتوقع عودة الاقتصاد بعد وباء كورونا إلى ما كان عليه قبله، وإنما هي مرحلة جديدة و«اقتصاد جديد». وينسحب ذلك أيضاً على مجالات أخرى؛ إذ ستكون مجتمعات جديدة بما يتضمنه ذلك من تغير ديموغرافي وسلوكي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"