عادي

توزيع اللقاح عالمياً.. عدالة مفقودة

23:33 مساء
قراءة 4 دقائق
Video Url

إعداد- بنيمين زرزور

تشغل قضية عدالة توزيع لقاح كورونا العالم على الصعيدين الرسمي والأكاديمي ليس حرصاً على حياة فقرائه، بل لأن خطر انتقال عدوى الوباء لا يميز بين غني وفقير وكبير وصغير، ويعبر كل الحدود ويؤرق الأثرياء وصناع القرار الذين يشعرون بأنه لا منجى من الوباء إلا بالمواجهة الصادقة والجادة.
عدالة توزيع اللقاح مرآة تعكس كل أوجه الظلم وأشكاله التي تبدأ من الفوارق الطبقية واحتكار الثروات الذي كان يشغل العالم قبل الوباء، ولا تنتهي عند اللهاث وراء الاستيلاء على الموارد الطبيعية في عالم بات الوجود فيه مهددا بسبب عبث يد الإنسان فيه.
وأياً كان وضع توزيع اللقاحات التي تم إنتاجها حتى اليوم،فإن اللافت في قضية التوزيع تلك الدعوات التي تصدر بشكل يومي تقريبا عن مسؤولين ومنظمات عالمية بشأن عدالة توزيعه وضرورة إيصال جرعات كافية منه للدول الأشد فقرا، والتي صدر آخرها عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قبل أيام.
وتحتل قضية عدالة توزيع اللقاح حيزاً واسعاً في اهتمامات العالم اليوم بمختلف قواه الفاعلة وغير الفاعلة، فقد عقد مجلس الأمن الدولي جلسة بمبادرة من بريطانيا لبحث التوزيع العادل للقاحات، في إطار سعيه لمنع حصول الدول الغنية على حصة منه أكبر على حساب الدول الفقيرة.
ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة في كل مناسبة أنه مع انتشار الفيروس وتحوراته لا يمكن ضمان الأمن العالمي، إلا إذا تمتع الجميع بدرجة الحماية نفسها، أي أن تصبح اللقاحات ملكاً عاماً مشتركاً.
من جانبها تكرر منظمة الصحة العالمية التوصيات نفسها وتطلق تحذيرات متتالية حول ضرورة حصول شعوب العالم بلا تمييز على كميات كافية من اللقاح، وقد وجهت انتقاداتها مؤخراً إلى الدول الغنية لاستئثارها باللقاح وقطع طريق الحصول عليه أمام الدول الفقيرة.
وقال مدير المنظمة تيدروس غيبرييسوس إن إبرام بعض الدول الغنية عقوداً مباشرة مع الشركات المصنعة للقاحات أدى إلى خفض الكميات المخصصة للدول الفقيرة عبر منصة«كوفاكس»، والمتفق عليها مسبقاً.
وقد أعلنت مبادرة «كوفاكس» أنها سوف توزع 3.4 مليون جرعة على الدول المشاركة في المبادرة وعددها 145 دولة لتطعيم نسبة 3% تقريباً من سكانها،وهذا يعني أن الانتهاء من تلقيح كل شعوبها قد يستغرق سنوات،بينما تقول الدول الغنية إنها سوف تنتهي من تلقيح شعوبها بنهاية العام الحالي.
وقال تيدروس:«تطلب بعض البلدان ذات الدخل المرتفع من الشركات المصنعة إمدادها بمزيد من اللقاحات، وهو ما يؤثر في العقود مع «كوفاكس» وحتى الكميات التي تم تخصيصها لكوفاكس جرى خفضها لهذا السبب.»
وحض معهد الأمصال الهندي وهو أكبر منتج للقاحات في العالم دول العالم على «التحلي بالصبر» لتسلم الإمدادات من اللقاحات، وقال إنه تلقى أوامر بإعطاء الأولوية في الانتاج للسوق المحلي الهندي، وهذا الموقف يعكس بشكل جلي ترتيب الأفضليات في وقت حرج جداً.
وهناك دعوات للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية في ما يخص المنتجات الطبية المتعلقة بكورونا، وهي خطوة من شأنها أن تسهل مشاركة المعارف على نطاق أوسع، وتوسيع مواقع إنتاج تلك المنتجات، لكن منظمة التجارة العالمية تعارض الفكرة بشدة.
أسئلة ملحة
تثار قضايا مستجدة وتطرح أسئلة ملحة في أوساط الباحثين والسلطات الصحية في بعض الدول أهمها تحديد الأولويات لتسهيل الوصول إلى الحل، ومن تلك القضايا السؤال حول الهدف الأساسي من تطوير اللقاحات وتوزيعها وما إذا كان المطلوب تقليل عدد الوفيات، أم الحد من انتشار الوباء ، ففي هذه المرحلة، قد لا يكون متاحاً التركيز على تطعيم أكبر عدد من الأشخاص في أسرع وقت ممكن، لذلك لا بد من تحديد الأولويات في ما يتعلق بمن يحصل على اللقاح أولا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، تضرر بعض الجماعات الهشة، خصوصاً الأقليات العرقية بالوباء بشكل أكبر، وتتردد المطالب نفسها في غالبية دول العالم بتحديد الأفضليات ضمن الفئات التي يجب أن تتلقى اللقاح بداية كالعاملين في الخط الأول في مواجهة الوباء أو كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة وغير ذلك.
وانطلاقاً من الدعوة إلى تحقيق العدالة في توزيع اللقاحات،تبرز الحاجة هنا لمعايير موضوعية في تحديد الأفضليات يتم اعتمادها في كل بلد حسب ظروفه، حيث لا يمكن القبول بنمط توزيع يعتمد الفوارق الطبقية، أو المواطنة والهجرة أو نحو ذلك، إلا إذا كانت هناك أسساً تبرر اتباعه.
ولا ينطبق الأمر نفسه على الدول في ما يخص الحصول على كميات كافية من اللقاح لأن الأمر هنا منوط ليس بالضرورات الفردية الخاصة بل بآليات مواجهة الوباء واجتثاثه في عالم بات يقال عنه إنه أصبح قرية صغيرة. ومن المؤكد أنه لا حصانة لدولة غنية في حال استمرار تفشي الوباء في الدول الفقيرة،نظراً لتشابك العلاقات التي تربط بين المجموعتين والتي تفترض تنقلاً يومياً للأشخاص والسلع حاملة الفيروس معها عبر الحدود.
مشاكل لا تنتهي
من الواضح أن تبعات سوء توزيع اللقاح سوف تستمر في تعميق التعقيدات والمشاكل التي تكشف الكثير من أبعاد السلوك الإنساني، ففي وقت تتصاعد وتيرة صراع دولى واضح بين شركات اللقاحات من ناحية، و بين الدول فى سعيها للحصول على اللقاحات قبل غيرها من ناحية ثانية، بات العالم على شفا كارثة أخلاقية بسبب غياب عدالة توزيع اللقاح، و نصيب الدول الفقيرة المنقوص.
أما مشكلة تمويل عمليات التلقيح حيث يتراوح سعر الجرعة من اللقاحات المتاحة حتى الآن بين 30 دولاراً للقاح سينوفارم الصيني و37 دولاراً للقاح أسترازينيكا،فقد يكون العائق الأهم في تحقيق العدالة سواء على المستوى الوطني في كل دولة أو على صعيد المقارنة بين دول العالم الموزعة تاريخيا إلى دول قادرة وأخرى أقل قدرة وهناك دول عاجزة بكل معنى الكلمة، ويدعو زعماؤها شعوبهم للتداوي بالأعشاب والسحر.
وإذا أضيف إلى كل ذلك احتكار اللقاحات ومناورات شركات الأدوية وقوى السوق السوداء، فلا شك في أن الوباء سوف ينتصر، وعندها لن يتحدث العالم عن عدالة توزيع اللقاح، بل عن أفضل طرق التخلص من جثث ضحايا الوباء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"