زيارة تاريخية للبابا

00:52 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

عندما يطأ البابا فرنسيس أرض العراق اليوم، فإنه يفتح صفحة ثانية من صفحات السلام والتعايش والمحبة والأخوة الإنسانية، بعد الصفحة التي كان فتحها في زيارته لأبوظبي في فبراير (شباط) عام 2019، حيث وقع «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك»، مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.
 هي بهذا المعنى زيارة تاريخية للعراق، لأنها الأولى لرأس الكنيسة الكاثوليكية إلى هذا البلد الضاربة جذوره في التاريخ والحضارة الإنسانية، والمهد الأول لتشكل الفكرة الدينية لدى الحضارات القديمة، حيث تحظى أرض العراق بمكانة رمزية في معتقدات أتباع الديانات السماوية كافة، من خلال الاعتقاد بأنها كانت مهداً في الأساس لخلق آدم وحواء. كذلك يُجمع أتباع الديانات الثلاث (اليهود والمسيحيون والمسلمون) على الاعتقاد بمولد النبي إبراهيم في سهل آور الذي يزوره البابا، حيث تحمل شخصيته صفة جامعة، باعتباره «أب» الديانات السماوية على اختلافها.
 والزيارة تاريخية لهذه الأسباب وغيرها، من بينها إصراره على الزيارة رغم تفشي وباء كورونا، فهي الأولى له خارج الفاتيكان منذ ظهور الوباء، وكذلك رغم التفجيرين الانتحاريين في ساحة الطيار في بغداد في كانون الثاني (يناير) في بغداد، وسقوط قتلى وحرجى، ورغم التظاهرات التي تجتاج العديد من المدن العراقية، والهجمات الصاروخية على مواقع أمريكية.
..والزيارة تاريخية أيضاً بسبب برنامجها الحافل بالمعاني الرمزية، إذ يزور مدينة النجف في اليوم الثاني، ويلتقي المرجع علي السيستاني، امتداداً للقائه شيخ الأزهر، وكأنه يريد أن يبعث برسالة إلى كل المسلمين، بأن الكنيسة منفتحة على الجميع دون استثناء، عنوانها «إننا جميعاً أخوة».
 هذه الزيارة غير المسبوقة، هي رسالة سلام للعراق والمنطقة، ورسالة تضامن مع مسيحيي المشرق الذين عانوا ما عانوه من تهجير وجرائم ومجازر وسبي على يد الإرهاب الداعشي خلال وجوده في سهل نينوى ومعظم أرض العراق بين عامي 2014 و 2017، لعلها تسهم في تقوية النسيج الاجتماعي العراقي، وتفتح آفاقاً جديدة في تعزيز مبدأ التعايش المشترك، ونبذ الخلافات وتحقيق الوحدة الوطنية، وتبعث الأمل لدى المسيحيين للتشبث بأرضهم، وتعزيز الإخاء بين مختلف الأديان والمذاهب.
 هذا البابا، ابن كنيسة أمريكا الجنوبية، حاملة لواء التحرير في تلك القارة، أراد منذ توليه منصبه عام 2013 أن يكون بابا التغيير، معبراً عن صوت الفقراء والمحرومين والمتعبين، حاملاً رسالة المحبة والسلام بين بني البشر على مختلف أديانهم وألوانهم وإثنياتهم وأفكارهم. وهو بزيارته إلى العراق يثبت أنه رسول محبة، ورفيق المهمشين والفقراء، ويقدم رسالة احتضان إلى كل الشعوب الجريحة التي عانت الحروب والتشريد والبطش والانقسامات والاحتلال والإرهاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"