عادي

«المحادثات المرئية» ضحايا العاطفة في مواجهة «قراصنة فضائح»

23:57 مساء
قراءة 7 دقائق
1

تحقيق: محمد الماحي

المحادثات المرئية من أخطر الوسائل الإلكترونية التي قد تعرض الشخص إلى الابتزاز، فالكثير من الأشخاص فتيات أو شباب لا يدركون مدى الخطر المترتب من الحديث السري بينهم من خلال المكالمات المرئية، فالكثير من الحوارات تخرج عن مسارها من السليم إلى الكلام المحظور، وتصبح وسيلة فعالة للضغط و الابتزاز على الضحية.
وسهّلت المحادثات المرئية في مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة على المبتزين اصطياد ضحاياهم والمساس بحياتهم الخاصة، ويهدد الجناة ضحايا المحادثة المرئية المسجلة التي يظهرون فيها بشكل غير لائق، ما لم يسددوا لهم مبالغ مالية، أو يرضخوا لطلباتهم الجنسية.
تشير إحصاءات رسمية حديثة أعلنتها شرطة الشارقة، إلى أن حالات الابتزاز ناتجة، غالباً، عن نزوات عاطفية للضحايا، وأن الحالات التي لا يُبلّغ عنها خوفاً من الفضيحة ونظرة المجتمع، لا تقل عن 90% من مجموع الحالات الفعلية.
مواقع مشبوهة
الأجهزة الأمنية والقانونية دائمة التدخل وتناشد الجمهور عدم الوثوق بأشخاص مجهولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحذر من تزويدهم ببيانات أو معلومات أو صور شخصية قد تستخدم في عمليات الابتزاز الإلكتروني، وعدم الدخول إلى مواقع مشبوهة، محذرة من التعامل مع الغرباء ومجهولي الهوية، وعدم التواصل معهم والوثوق بهم، كما نشرت النيابة العامة للدولة، مادة فيلمية توعوية على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي أوضحت من خلالها عقوبة الاعتداء على الخصوصية باستخدام شبكة معلوماتية، وأشارت إلى أنه، ووفقاً للمادة 21 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 5 لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة التي لا تقل عن مئة وخمسين ألف درهم ولا تجاوز خمسمئة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم شبكة معلوماتية، في الاعتداء على خصوصية شخص بإحدى الطرق التالية: استراق السمع، أو إفشاء محادثات أو اتصالات أو مواد صوتية أو مرئية، أو بيانات أو معلومات ولو كانت صحيحة وحقيقية.
وأكدت النيابة العامة الاتحادية أن النساء هن الأكثر تضرراً ووقوعاً في براثن الابتزاز الإلكتروني، بنسبة وصلت إلى 97%، وذلك وفقاً لأحدث دراسة إحصائية أجرتها النيابة حول إجمالي عدد البلاغات الواردة إليها، وتم نشرها في مجلة «الميزان» التي تصدر من وزارة العدل، كشفت دائرة القضاء في أبوظبي عن تسجيل 208 قضايا ابتزاز إلكتروني، في 2020، أغلب ضحاياها من النساء، تعرضن للتهديد الجنسي من المبتزين، والتهديد المادي، إضافة إلى تهديد بارتكاب جريمة في حقهن، مشيرة إلى أن المبتزين يهددون ضحاياهم عقب حصولهم على صورهم الشخصية، أو مكالمات مرئية أو تسجيلات صوتية لهم، أو مقاطع فيديو، وحددت الدائرة 8 طرق لتجنب الوقوع في الابتزاز، وأربع وسائل للإبلاغ عن التعرض للابتزاز.
وكشفت شرطة الشارقة عن أن 30 في المئة من إجمالي ضحايا الابتزاز الإلكتروني من فئة كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 55 عاماً، ومعظمهم من حملة الشهادات العلمية.
وأوضحت أن المبتزين يستهدفون هذه الشريحة باعتبارها من أكثر الضحايا الذين يفضلون الصمت وعدم إبلاغ الجهات الأمنية خوفاً من الفضيحة وحفاظاً على مكانتهم الاجتماعية
ولفتت إلى أن معظم المسنين الذين تعرضوا للابتزاز عن طريق المكالمات المرئية والتسجيلات الصوتية والدردشة تواصلوا مع المبتزين بدافع البحث عن علاقات عاطفية، في حين أن 90 في المئة لم يبلغوا الجهات الأمنية خوفاً من الفضيحة.
صدمة نفسية
صور ابتزاز المحادثات المرئية متنوعة ومتدرجة من أبسط الأشياء إلى أخطر الأمور، «الخليج»، تسلط الضوء على أبرز حوادث المكالمات المرئية التي وقعت في الفترة الماضية، تفتح الباب أمام المختصين لتحليل المبتز نفسياً، وتسلط الضوء على طرق مواجهة الابتزاز.
عاشت فتاة خليجية وأسرتها وقائع ابتزاز وتشهير من نوع خاص، شكل لها صدمة نفسية كبيرة؛ إذ كان المبتز عربي الجنسية، انتحل صفة مواطن وعكف طوال 6 أشهر على ابتزازها بنشر صورها التي تظهر مفاتنها على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفعها إلى الاستسلام لعملية الابتزاز وتسليم المتهم مبالغ مالية وصل مجموعها إلى 700 ألف درهم، وثبتت المحكمة في حق المتهم عقوبة السجن لمدة عام مع تغريمه مبلغ 500 ألف درهم، وإلزامه بالرسوم القضائية ومصادرة مبلغ التأمين مع الأمر بإبعاده خارج الدولة عقب تنفيذ مدة العقوبة.
وتعود تفاصيل القضية التي نظرتها محكمة أبوظبي إلى تعرف المتهم على الفتاة «الشاكية» عن طرق برنامج التواصل الاجتماعي «تويتر» مدعياً بأنه شاب ثري من جنسية خليجية، لتتطور العلاقة وتصل إلى مكالمات مرئية طلب منها خلالها أن ترسل له صورها وبالفعل قامت بإرسال الصور له بعد أن وعدها بالزواج، وبعدها قام بطلب مبالغ مالية وبالفعل قامت بإرسال تلك المبالغ المالية له.
وأوضحت أوراق القضية، أن المجني عليها اكتشفت أن المتهم خدعها وانتحل شخصية أخرى، فقامت بقطع علاقتها به، إلا أن المتهم استغل الصور التي كانت قدر أرسلتها له، وقام بتهديدها بأن يقوم بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي في حال امتنعت عن إرسال مزيد من الأموال له، وهو ما بث الرعب في نفسها وخوفها من افتضاح أمرها أمام أسرتها لتشرع في تحويل عدة مبالغ وصل مجموعها إلى 700 ألف درهم.مستويات ثقافية
ولا يقتصر ضحايا المحادثات المرئية على النساء والفتيات، فقد وقع في فخاخها شباب ورجال ناضجون، من أعمار ومستويات ثقافية مختلفة؛ حيث قضت محكمة الجنايات في دبي بحبس امرأة عربية، تبلغ من العمر 22 عاماً، ستة أشهر والإبعاد بعد إدانتها بابتزاز وتهديد إعلامي خليجي معروف، بعد تصويره في أوضاع مخلة، وطالبته بدفع نحو مليوني درهم من أجل عدم فضحه.
وقال المجني عليه في تحقيقات النيابة العامة، إنه تعرف إلى المتهمة عبر برنامج مواعدة على شبكات التواصل الاجتماعي، ودارت بينهما محادثات مرئية أخبرته خلالها أنها تعيش في الإمارات، لكنها ستحضر إلى بلاده لزيارته، ثم تواصلت معه بعد وصولها إلى هناك، وأرسلت إليه مقطع فيديو لها حتى تغريه بالحضور، فاستجاب لها، ومارس معها الجنس، ثم غادر المكان.
وأضاف أنه فوجئ برسالة منها، بعد نحو أسبوعين من لقائهما، تتضمن صورة له وهو عارٍ تماماً برفقتها في غرفة نومها، وأخبرته بأن لديها صوراً وفيديوهات له أثناء ممارستهما تلك العلاقة، وطلبت منه تحويل مبلغ يقارب مليوني درهم مقابل عدم نشر الصور والفيديو. 
وتكشف «ريم»، في قصة ثالثة، عن تعرضها للابتزاز من صديق تعرفت إليه في موقع دردشة، فقد توطدت علاقتهما بعدما وعدها بالزواج. وعندما تأكدت من عدم جديته، قررت الابتعاد عنه، إلا أنه أنشأ حساباً على موقع «فيسبوك»، وحمّل صورهما ومقاطع الفيديو التي تجمعهما عليه، وكان يردد دائماً، على سبيل التهديد: «لا تغضبيني». تقول: «وضعني تحت تهديد شديد، لم أستطع تحمله، فأبلغت الشرطة في النهاية».
أطياف المجتمع
وحذر خبراء من ارتفاع معدلات جرائم المحادثات المرئية على مواقع التواصل وتطبيقات الدردشة عند الشباب والمراهقين تزامناً مع وباء «كورونا»، الذي فرض على الأسر الانتقال إلى التقنية واستخدام الأجهزة في التعليم والتسوق وإنجاز المعاملات، وأدى إلى زيادة استخدام الإنترنت ولفترات طويلة، وأكدوا الخطورة البالغة لتنامي قضية الابتزاز عن طريق المحادثات المرئية، وضرورة التصدي لها من كل أطياف المجتمع، ووضع المعايير والضوابط لضبط الانفلات في برامج التواصل التقني للحد من تفاقم المشكلة وازديادها حتى أضحت تهدد الأسرة وأفرادها.
بدورها.. ترى الاختصاصية الاجتماعية والأستاذة في جامعة الإمارات، الدكتورة منى البحر: أن ظاهرة جرائم المحادثات المرئية عبر مواقع الإنترنت بدأت تأخذ منحى خطِراً، وحذرت من تهديد تلك الجرائم للنسيج الأسري في نطاق العائلة الواحدة أو المجتمع بكامله. مشيرة إلى أنه على الرغم من تعدد الأسباب في استمرار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للفتيات، فإن المشكلة، اجتماعية بالتأكيد، لافتة إلى أنه بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضتها جائحة كورونا،، أصبحت المجتمعات رقمية بشكل هائل، وهذا أدى إلى ارتفاع معدلات جرائم المحادثات المرئية.
وعن كيفية الحد من جرائم المكالمات المرئية والدردشة على تطبيقات التواصل، ترى البحر أنه لا بد من نشر الثقافة القانونية بين الجنسين، مشيرة إلى أهمية دخول الفتيات إلى مواقع التواصل الاجتماعي بعقولهن وليس بعاطفتهن، لاسيما أن هذه المواقع فيها الإيجابيات وكثير من السلبيات وعند الدخول يجب تحديد الهدف وعدم الانسياق خلف رغبات أشخاص افتراضيين غير معروفين نساء أو رجال.
وقال المحامي والمستشار القانوني عبدالله الكعبي: إن المشرع جرّم عموماً انتهاك حرمة الآخرين، والتدخل في حياتهم وأمورهم الشخصية، بأي وسيلة كانت؛ بل وغلّظ العقوبة لمن تسول له نفسه استغلال ما نتج عن هذا الجرم، بابتزاز أو بنشر ما توصل إليه.
وبين في هذا السياق، أن المشرع الجنائي حظر تسجيل المكالمات دون الحصول على تصريح بذلك من قبل النيابة العامة، حماية لحريات الأفراد؛ بل واشترط أن يكون التصريح لمقتضيات التحقيق.
وقال: «في حال تعرض الشخص لتهديد أو ابتزاز، فيجب ألا يتوانى في إبلاغ الجهات المختصة لحمايته وعدم استغلاله من الجاني، الذي قد يتمادى في جرمه لتأكده من خوف المجني عليه من الإبلاغ عن الجريمة لأمور تخصه، أو تمس الشرف والعرض».
وتقول استشارية الطب النفسي، الدكتورة جميلة الحساني: «إن طبيعة شخصية المبتز تتسم بالسلوك الإجرامي وفقدان الضمير، وعدم تقدير تبعات جريمته المستقبلية، وعدم تحديد الأولويات، كما أن المبتز غالباً ما يكون شخصاً عدائياً لمجتمعه، ولا يتعلم من أخطائه، ويفتقد الشعور بالرحمة تجاه الآخرين»، مشيرة إلى أن الضحية يقع في فخ المبتز في المقام الأول نتيجة العاطفة والسذاجة الزائدة وعدم وجود خبرات حياتية لديه. وعقب الوقوع في الفخ يكون عامل الخوف هو المحرك الأول للضحية في رضوخه للمبتز.
وأكدت ضرورة التصدي لظاهرة الابتزاز عن طريق المكالمات المرئية من كل أطياف المجتمع، ووضع المعايير والضوابط لضبط الانفلات في برامج التواصل التقني. 
الدكتور فادي أحمد العلول، دكتور هندسة كمبيوتر، أطلق العديد من المبادرات لتقييم الوعي الأمني الإلكتروني بين مستخدمي الإنترنت في الدولة والتعرف إلى خصائص الضحايا المحتملين ونشر الوعي بين سكانها، يؤكد من واقع تخصصه ارتفاع قضايا جرائم الابتزاز الإلكتروني بحكم التطورات المتلاحقة في هذا المجال وقلة وعي المستخدمين، مشيراً إلى أهمية الرقابة المبنية على الثقة، خاصة مع الأبناء في المرحلة العمرية الحرجة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"