لبنان وخلط الأوراق

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

يشهد لبنان، منذ أكثر من أسبوع، موجة احتجاجات واسعة توجت بيوم «اثنين الغضب» الذي جاء متزامناً مع انهيار الليرة مقابل ارتفاع هائل في سعر صرف الدولار، وبالتالي ارتفاع جنوني في أسعار السلع والمواد الغذائية، في وقت يرزح فيه أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر.
 لكن في كل هذا الحراك الذي غابت عنه الفعاليات المدنية وتلك المنبثقة عن حراك «17 أكتوبر/ تشرين الأول» عام 2019، كان قطع الطرقات وإحراق الإطارات حاضراً في مختلف أرجاء البلاد، بينما غاب الغضب الشعبي رغم توافر كل عوامله الموضوعية من انهيار مالي واقتصادي وتردٍ للأوضاع المعيشية، فضلاً عن المطالبة بالتغيير ورحيل الطبقة السياسية المتنفذة والفاسدة، ما يعيد خلط الأوراق، ويطرح الكثير من الشكوك حول طبيعة وأهداف الاحتجاجات الأخيرة، وما إذا كان لذلك علاقة بتصفية حسابات بين الطبقة السياسية الحاكمة. ما يعزز هذه الشكوك أن الذي ركب موجة الاحتجاجات الأخيرة، هي أحزاب وقوى سياسية من الطبقة الحاكمة نفسها، حتى لا نقول قادها أو أشرف عليها، بعضها مؤيد، وآخر معارض لهذا الزعيم، أو ذاك، ويستدل على ذلك من الشعارات التي رفعتها الاحتجاجات وغياب الزخم الجماهيري عنها بالنظر إلى اتساعها وطبيعة المناطق التي انتشرت عليها. وهناك موقف لافت من قيادة الجيش اعتبر أنه يصب في مصلحة المحتجين، إذ على الرغم من أن قائد الجيش أكد انه لن يسمح بأي مساس أو عبث بالأمن والاستقرار أو الاعتداء على المصالح العامة والخاصة، إلا أنه انتقد السياسيين بسبب عدم تشكيل الحكومة وإيجاد حلول للأزمات التي تعصف بالبلاد، مشيراً إلى أنه حذّرهم أكثر من انفجار اجتماعي وشيك. 
 عموماً، يبدو أن معركة تشكيل الحكومة قد انتقلت إلى الشارع بعدما تجاوزت مسألة الاتفاق على الحجم أو الثلث المعطل أو توزيع الحقائب والأسماء، إلى حد استحالة التعايش بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في ظل تمسك الأخير بعدم التنازل عن التكليف، وإصرار الأول على عدم الاستقالة، كما ظهر في شعارات الاحتجاجات الأخيرة، وكما تطالب به بعض القوى السياسية منذ زمن يتقدمها حزب «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع.
 أسوأ ما في المشكلة اللبنانية، أنه علاوة على سلسلة الانهيارات المالية والاقتصادية والمجتمعية، فإن صراع القوى السياسية مجتمعة، وما يقوم به البعض لتحريك الشارع، بات يغطي على الأزمات الحقيقية التي تعصف بالبلاد والتي تدفع ثمنها الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب اللبناني. ولعل ما هو أسوأ من ذلك كله، أن تقوم الطبقة السياسية الفاسدة، سواء كانت في الحكم، أو خارجه، بما يشبه «الثورة المضادة» باسم الشعب لتصفية الحسابات بين بعضها بعضاً، على حساب معاناة اللبنانيين ولقمة عيشهم، وإنقاذ أرواح الكثيرين ممن لم يعد لهم لا حول ولا قوة داخل وطنهم بانتظار ما تحمله الأقدار، أكثر بكثير من انتظار طبقة سياسية فاسدة ومتوحشة لا يرف لها جفن، ولا ترى إلا مصالحها فقط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"