الدبلوماسية اللبنانية.. إلى أين؟

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.خليل حسين*

لطالما تغنى لبنان منذ الاستقلال بدبلوماسيته الرفيعة في التعاطي مع محيطه العربي والدولي، ولم يسبق لأي إدارة دبلوماسية أن خرجت عن السياق المعتاد والمتعارف عليه بين الدول شقيقة كانت أم صديقة، بخاصة أن السياسة الخارجية اللبنانية ظلت ولعقود طويلة وفي عز الانقسامات الداخلية بمنأى عن تداعيات التوتر الداخلي، وهو سياق متصل تعاقبت عليه الإدارة الدبلوماسية في وزارة الخارجية اللبنانية.
  وفي مطلق الأحوال، فالأعراف الدبلوماسية وحتى النصوص القانونية التي أرست تفاصيلها اتفاقية فيينا 1961 ، إضافة الى قواعد المراسم والبروتوكول والإتيكيت، تفرض سياقاً محدداً في التعاطي مع أي موقف أو حدث أو أزمة ما بين دولتين أو مجموعة دول، بحيث لا تتخطى قواعد اللياقات ولو في أشد الظروف قساوة، فحتى ولو وصلت المواقف إلى أقسى الحدود، وحتى ولو استتبعت بالطلب مغادرة البلاد أو تجميد أو قطع العلاقات الدبلوماسية ، فالقواعد الدبلوماسية تحتّم حفظ اللياقات والحماية وعدم التعرّض لفظاً أو فعلاً أو عملاً يمكن أن يفسر جرحاً او خدشاً لمشاعر المبعوث الدبلوماسي، باعتباره ممثلاً لدولته ، وبالتالي التعرّض له يُعتبر تعرّضاً لسيادة دولته وكرامتها ، ولمن يمثل إن كان رئيساً أو وزيراً للخارجية.
   ثمة وسائل وطرق للتعاطي مع الأزمات الدبلوماسية، وهي عادة تمر بالطرق الدبلوماسية الخاصة الموصوفة نصاً وعرفاً، ومن أبرزها ، التواصل المباشر بين وزارة الخارجية والمبعوث الدبلوماسي، ذلك وفق بروتوكولات خاصة ودقيقة تحكم تفاصيل التصريحات أو المواقف التي يمكن أن تصدر عن دولة المبعوث إذا اقتضى الأمر، وفي أي حال من الأحوال، من المتفق عليه عرفاً وأيضاً نصاً، أن لا تخرج هذه السياقات إلى الأطر الإعلامية التي يمكن أن تسهم أيضاً في تأجيج موقف أو تفسير تصريح على غير محمله أو مقصده.
  وفي لبنان حيث الانقسامات الداخلية انقسامات عمودية حتى في القضايا غير الاستراتيجية، عادة ما كانت تحيّد عن مواقف السياسة الخارجية والدبلوماسية ذات الصلة بالمواضيع التي تأخذ حساسية معينة ، ذلك حرصاً على علاقات لبنان العربية التي تأخذ حيّزاً واسعاً من الاهتمام والمحافظة عليها في أعلى مستوياتها، وبخاصة مع الدول العربية ذات الوزنين الإقليمي والدولي الفاعل.
  ثمة بعض السوابق التي ظهرت في السياسة الخارجية اللبنانية وما نتج عنها من مواقف وتصريحات مباشرة اعتبرت نافرة بعض الشيء، إلا أن سرعان ما كانت تسوى الأوضاع من دون ترك ظلال كثيفة على العلاقات الخارجية ، سيما وأن أسس السياسة الخارجية اللبنانية تأخذ بالحسبان الأوضاع الداخلية وتتمسك بكثير من قواعد التفاهمات الداخلية بما يخص علاقات لبنان العربية والدولية.
وما جرى مؤخراً، لجهة الوقائع وما أدت من تداعيات تعتبر خروجاً عن المألوف في الحياة السياسية والدبلوماسية ، ويعتبر أمراً غير مبرر من الوجهة السياسية او المهنية، الأمر الذي أدى الى تنحي وزير الخارجية عن تصريف أعمال الوزارة في الحكومة المستقيلة أصلاً، وهو أمر طبيعي سيما، وأن المسؤولية ينبغي أن يتحملها من تسبب بهذه الأزمة غير المسبوقة ، سيما وأن تداعياتها شملت دولاً عربية عدة ، علاوة على شريحة لبنانية كبيرة.
   لبنان اليوم الذي يعاني ظروفاً قاسية تكاد تفقده دوره الإقليمي ووحدته الداخلية وبنية نظامه شبه المنهار سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً، هو بحاجة ماسة لمحيطه العربي لتخطي أزماته المتلاحقه التي تكاد لا تنتهي، كما ان لبنان اليوم والذي هو بحاجة لوسائل دعم إضافية، لتخطي أزماته هو بحاجة فعلية لسياسة خارجية ودبلوماسية أكثر واقعية تعيده إلى محيطه العربي الأوسع.
* رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"