يوم لم يكن في لبنان سوى 50 مليون دولار

00:42 صباحا
قراءة 3 دقائق

ذو الفقار قبيسي*

في اليونان كانت أزمة مديونية، وفي آيسلندا أزمة مصرفية، وفي فنزويلا أزمة سياسية، وفي لبنان الأزمات الثلاث معاً يضاف إليها أزمة نظام، وأزمات دواء ووقود وكهرباء وطعام، وعلى النسق الذي كان الشعب الأمريكي يخاطب به إدارته السياسية يوم عاد رائد الفضاء الأمريكي بقطع صخرية من القمر، بأغنية هذا مطلعها: «O.K. لا بأس أن تأتي بصخور القمر يا حبيبي، لكن بعد أن يجد الجميع ما يأكلونه هذه الليلة»!

والمشكلة أنه لا حكومة في لبنان تجلب صخوراً من القمر، ولا دولة تعطي شعبها من الأمان ولا للجزء الأكبر منه ما يكفي من الضمان، في أزمة قياسية لم يسبق لها مثيل في تاريخه الحديث.

إحدى العلامات الفارقة في أحوال اليوم، أن لبنان لا يعيش فقط أزمة قياسية لم يسبق لها مثيل في تاريخه الحديث، وإنما يخسر أيضاً الأدوات والآليات التي كانت تمكنه في الماضي من التغلب على الأزمات، وهي لم تعد متوافرة الآن بصورة كافية خلال المحنة الاقتصادية والمالية والاجتماعية الحالية.

ومن تجارب الأمس غير البعيد أنه خلال تولي الدكتور إدمون نعيم حاكمية مصرف لبنان المركزي في فترة الحرب الأهلية، انخفض احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف إلى نحو 50 مليون دولار فقط. ما اضطر الدكتور نعيم إلى إرسال وفد رسمي من مصرف لبنان إلى الولايات المتحدة في محاولة لإقناع الأمريكيين بتقديم دعم ولو محدود للبنان يزيد من حجم الاحتياطي الذي لم يكن يومها كافياً؛ لتغطية أكثر من قيمة استيرادات لبضعة أيام.

وكان الجواب من المسؤولين في واشنطن للوفد أنه ليس لدى الإدارة الأمريكية آلية مساعدة سريعة أو «عملية إغاثة» فورية في مواجهة مثل هذه الحالات. وعاد الوفد المصرفي الرسمي يومها من واشنطن من دون أي نتيجة؛ ما زاد هواجس «المركزي» ووزارة المال حول خطورة الأزمة وتداعياتها على الاقتصاد بمستواه الكلي الرسمي والجزئي الشعبي.

ولكن الذي حصل بعد فترة وجيزة من عودة الوفد إلى لبنان اتخذ طابعاً دراماتيكياً؛ حيث تدخلت فجأة المؤسسات المالية الخليجية الرسمية وغير الرسمية بإجراء ترتيبات نقدية مع لبنان؛ مكنت المصرف المركزي من زيادة احتياطاته بالعملات الأجنبية؛ الأمر الذي جرى تفسيره بأنه حصل بتوصية من الولايات المتحدة.. لبنان الآن ليس على علاقة جيدة لا مع الولايات المتحدة، ولا مع دول الخليج.

فما هو الدرس والمغزى من هذا الحدث؟ وكيف يمكن مقارنته بما لدى لبنان اليوم من وسائل وأدوات داخلية وخارجية تمكنه من مواجهة الظروف الاقتصادية والنقدية الصعبة الحالية؟

أولاً: لم يكن الدين العام يومها مرتفعاً إلى الحد القياسي العالمي الذي هو عليه اليوم.

ثانياً: كان لبنان يسدد كل ما عليه من استحقاقات وفي مواعيدها بشكل حافظ فيه على الثقة العربية والدولية والمحلية، وليس كما حصل أخيراً عندما امتنعت حكومة الاختصاصيين ولأول مرة في تاريخ لبنان الاقتصادي والمالي عن دفع مستحقات اليوروبوند، ولا كما حصل لأول مرة في تاريخ لبنان المصرفي عندما امتنعت كل مصارف لبنان - وليس مصرفاً واحداً فقط كما خلال أزمة «انترا» - عن دفع الودائع لأصحابها بنفس العملة المودعة بها وقننت السحوبات حتى بما يقابلها بالعملة المحلية.

ثالثاً: كان مصدر الإمدادات النقدية يومها لمعالجة الأزمة الطارئة، دول الخليج، واليوم علاقات لبنان معها ليست كما كانت بالأمس عندما كانت ترد إلى لبنان من هذه الدول ودائع واستثمارات وعائدات سياحية؛ يواجه بها أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

رابعاً: والدرس المهم الذي يمكن أن يتعلمه لبنان في المقارنة بين الأمس واليوم هو ضرورة تصحيح وإعادة هيكلة أوضاعه المالية والنقدية، وضرورة العمل على استعادة الثقة بقطاعه المصرفي واقتصاده وقضائه، وضرورة إعادة تصويب علاقاته مع محيطه العربي ومكانته في المجتمع الدولي، بما يمكنه من اجتياز صعوبات المرحلة المصيرية الراهنة، وتصحيح مساره الاقتصادي والسياسي في العالم.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب لبناني

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"