فلسطين في الصدارة مجدداً

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

على عكس ما هدف إليه نتنياهو وحكومته المنصرفة قريباً، في كسب المزيد من التأييد لإسرائيل في عدوانها الأخير على غزة، بعد هبّة القدس، انقلب السحر على الساحر من خلال حجم التأييد الكبير للقضية الفلسطينية على المستويات العربية والإقليمية والدولية، وصولاً إلى «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة الذي أصدر قراراً بفتح تحقيق دولي للانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة. 

وقبل هذا القرار، كانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان أعلنت أن ما تعرضت له غزة «يشكل جرائم حرب»، عدا عن التظاهرات الحاشدة التي جرت في مختلف أنحاء العالم، بما فيها نيويورك ولندن وباريس، وغيرها من العواصم والمدن العالمية، حيث سارت جماهير حاشدة ترفع الأعلام الفلسطينية وشعارات التأييد لشعبنا، واعتباره يقود معركة تحرّر وطني ضد محتلّي أرضه.

 وقبل الهيئة الأممية، كان البرلمان الإيرلندي تبنّى قراراً غير مسبوق بالنسبة إلى عضو في الاتحاد الأوروبي، دان فيه السياسات التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وأراضيهم المحتلة. وأعربت الأحزاب الموالية للحكومة، كما المعارضة، على حد سواء، خلال عملية تصويت، عن دعمها للتشريع الجديد الذي ينص على إدانة ضم «إسرائيل» الفعلي لأراض فلسطينية محتلّة، لتصبح إيرلندا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تستخدم رسمياً، هذه العبارة بحق الاحتلال الإسرائيلي.

 وخلال المواجهات كانت عشرات المدن الأوروبية تشهد مسيرات احتجاج ضخمة، تأييداً للحق الفلسطيني في الوجود وتقرير المصير، مطالبة حكومات بلادها بالتدخل لوقف الهجمات الإسرائيلية. والقرار الأممي رحبت به السلطة والفصائل الفلسطينية، غير أنه أشعل غضب الاحتلال، فندد بنيامين نتنياهو به، معتبراً أنه «قرار معيب».

 وقد كشفت المواجهات أن ما اعتبره الاحتلال بمثابة «نزهة» له في القطاع المحاصر منذ أكثر من 15 عاماً، جاء بعكس ذلك تماماً، فقد أثبت أن الاحتلال لا يمتلك سلّة أهداف حقيقية، بل لجأ إلى استهداف المدنيين من أجل الضغط على الفصائل للكفّ عن إطلاق الصواريخ تجاه مناطق الداخل المحتلة، كما أثبت فشله في ضرب قواعد إطلاق تلك الصواريخ وإسكاتها، فكشف بقصفه المدنيين عن وجهه اللاإنساني والعنصري البشع.

 ومع توالي صور الفظائع وجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال، خصوصاً في غزة، بدأ ضمير العالم يصحو، ويدين الجرائم، حتى إن بعض سياسيي العالم تذكروا فجأة أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم ارتكاب جرائم حرب وفظائع ضد الفلسطينيين، إذ إن التطهير العرقي الممنهج بحقهم يواصله الاحتلال منذ عقود طويلة. 

 اليوم، تعود قضية فلسطين وشعبها إلى الواجهة العالمية من جديد وسط تصميم الفلسطينيين على التمسك بحقوقهم، إضافة إلى قطاعات عربية واسعة تساند هذا الصراع الممتد، على أن يستفيدوا من هذا الزخم، بعدما استطاع الشعب الفلسطيني تصدير قضيته إلى الواجهة.. لقد تغيّر المزاج العالمي تجاه القضية الفلسطينية.

 من جانب آخر، فوجىئ قادة إسرائيل بالوحدة الوطنية الفلسطينية التي لم تتجلّ على مستوى الفصائل، فحسب، بل على صعيد شعبنا حيثما يتواجد، وبخاصة في المنطقة المحتلّة عام 1948، وقد اعتقدت إسرائيل أنهم تخلّوا عن فلسطينيتهم وعروبتهم. 

 صحيح أن إسرائيل لا تتقن سوى قصف الأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها، وكذلك المبنى الذي تواجدت فيه المكاتب الإعلامية ووكالات الأنباء العالمية، في محاولة مكشوفة لحجب الحقيقة عن شعوب العالم قاطبة، لكن باءت خطتها بالفشل الذريع، واكتشفت كل الدول الوحشية التي قصفت بها العديد من الأبراج السكنية. وحتى المستشفيات وأماكن اللجوء المؤقت لأبناء شعبنا، جرى قصفها، الأمر الذي ساهم في رفع عدد الضحايا، بمن فيهم الأطفال والشيوخ والنساء، كما أعداد الجرحى، ومعظمهم أدّت بهم إصاباتهم إلى إعاقات دائمة.

 والسؤال هو: هل استوعبت إسرائيل الدرس؟ لا يبدو ذلك، بدليل أنها ما زالت تحرس المستوطنين في محاولات اقتحامهم للمسجد الأقصى المبارك.

 ويمكن القول أن دولاً عدة تضامنت مع الفلسطينيين في أعقاب ما ارتكبته إسرائيل بعد احتجاجات شهدها حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، رفضاً لقرار الاحتلال بتهجير عائلات تسكنه، والاستيلاء على بيوتها، وارتكاب فظائع عدة خلال قمع الاحتلال لتلك الاحتجاجات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"