ضرورة تحوّل القادة الماليين العرب إلى روّاد فــي الذكــاء الاصطناعــي

22:43 مساء
قراءة 4 دقائق

وليم طعمه *

تواجه المؤسسات المالية الخليجية أكبر قوى تغيير شهدتها الصناعة على الإطلاق. فقد أدت الوقائع الاقتصادية المتغيّرة بالفعل إلى رسم خطّة التوحيد مع تسارع وتيرة أنشطة عمليات الاندماج والاستحواذ في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.

في الوقت عينه، تتعامل المؤسسات مع تقنيات تجديدية غيّرت تماماً طريقة تفاعلها مع عملائها. وقد أدّت جائحة كورونا إلى تسريع هذه العملية، ولا سيما في دول الخليج.

هنا، أدت حتمية التنويع الاقتصادي إلى زيادة أهمية قطاع الخدمات المالية في التسلسل الأوسع للتحوّل الهيكلي في مجال الاقتصاد الكلّي.

ومن المحتمل أن يحقق الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات أبرز التغييرات في صناعة الخدمات المالية التي شهدتها الصناعة الإقليمية في تاريخها القصير.

ومع ذلك، لا تزال العديد من المؤسسات المالية تكافح اليوم لإيجاد طريقها لبدء مسيرة الذكاء الاصطناعي.

لذا، نقترح مفهوماً يسمى فِرَق «تي» المصّممة على شكل حرف (T) باعتباره الحلّ للمؤسسات المالية؛ للتغلب على العقبات في اعتماد الذكاء الاصطناعي. الفكرة بسيطة: وتتمثل في أنّ التكنولوجيا، وبخاصّةٍ الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات، هي مجال مختلف عن الاستثمارات؛ بحيث إنّه يتطلب وظيفة إضافية، نشير إليها باسم وظيفة الابتكار، تنضم إليها وتشكّل فريق الاستثمار المتماسك في عصر الذكاء الاصطناعي.

يأتي ذلك ضمن 4 مراحل: 

المرحلة 0: لا تبذل المنظمة جهوداً منسّقة في تطبيق الذكاء الاصطناعي في عملياتها الأساسية

المرحلة 1: طبّقت المنظمة مشروعاً واحداً على الأقل للذكاء الاصطناعي.

المرحلة 2: طبّقت المنظمة أكثر من مشروع واحد للذكاء الاصطناعي وفي أقسام متعددة.

المرحلة 3: يتم دمج الذكاء الاصطناعي عند الاقتضاء في جميع عمليات المنظمة.

على الصعيد العالمي، تتطلع صناعة الخدمات المالية إلى الانتقال من «المرحلة 0» في اعتماد الذكاء الاصطناعي إلى «المرحلة 1». وبغية عدم التقليل من الكلفة والموهبة والعقبات التقنية في اعتماد الذكاء الاصطناعي، نحن نرى أنّ العامل الوحيد الأكثر تأثيراً في عملية التحوّل هذه هو الرؤية التي وضعتها الإدارة. فعلى كبار المديرين التنفيذيين أن يتولّوا زمام المبادرة في هذه المرحلة، وأن يصبحوا روّاداً في مجال الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات - ليتمكّنوا عندئذٍ من التأكّد أنّ المنظمة تطوّر وتطبّق استراتيجية شاملة للذكاء الاصطناعي؛ من أجل إدخال الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في عملياتهم.

خلال هذه العملية، يحتاج كبار المديرين التنفيذيين إلى إنشاء فريق «تي»، ولا سيما في ما يتعلق بوظائف التكنولوجيا والابتكار من الألف إلى الياء، وتزويد الفريق بالمواهب المناسبة، وتخصيص موارد كافية لمشاريعهم، وضمان دعم كبار المديرين التنفيذيين في المؤسسة.

بمجرد إنشاء الفريق، يصبح التحدّي الرئيسي ربط وظيفة كلّ من الاستثمار والتكنولوجيا بشكل فعّال حتى تتمكّن المنظمات من تخصيص مواردها لأفضل المشاريع. ويظل هذا التحدي ثابتاً طوال المراحل الثلاث لاعتماد الذكاء الاصطناعي، وبالتالي تظهر الحاجة إلى الابتكار لضمان تعاون الفريق بشكل فعّال.

بالنظر إلى المراحل الثلاث، يتبدّل العبء النسبي عبر الوظائف الثلاث مع مرور الوقت.

في المرحلة الأولى، يتمثل الأساس في العثور على مشروع يعرض قيمة وقوة أدوات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات لوظيفة الاستثمار. 

يشكّل هذا الأمر عبئاً على وظيفة التكنولوجيا لتحديد المشاريع التي يكون للمستثمرين ثقة عالية في تسليمها في فترة زمنية معقولة. من الناحية المثالية، لا يتطلب ذلك الكثير من المدخلات من وظيفة الاستثمار؛ لكن قد يساعدهم في القيام بعمل أفضل. إذا نجحت وظيفة التكنولوجيا في التطبيق الأول للذكاء الاصطناعي و/ أو البيانات الضخمة بما يرضي وظيفة الاستثمار، فيمكن للفريق توقع المزيد من المدخلات من وظيفة الاستثمار في المستقبل. 

لا تعمل العديد من المؤسسات المالية في العالم في المرحلة الثانية اليوم. ومن أجل توقع المستقبل، بالنسبة للمؤسسات التي تدخل المرحلة الثانية بنجاح، فمن المرجح أن يكون التركيز على موازنة المدخلات من كلّ من وظائف الاستثمار والتكنولوجيا.

قد تستغرق بعض المؤسسات المالية وقتاً طويلاً للوصول إلى المرحلة الثالثة، ونرى أنّ ذلك سيشكّل أمراً حاسماً لصمود المنظمات على المدى الطويل. ففي المرحلة الثالثة، سيتمكّن فريق «تي» أخيراً من تحقيق إمكاناته الكاملة، لا سيما مع فهم وظيفتي الاستثمار والتكنولوجيا بعضهما بشكل أفضل، ومشاركة آرائهما بشكل مفتوح، والتواصل بصورة متكرّرة حسب الحاجة. باختصار، تتطلب المؤسسات المالية التي تدخل عصر الذكاء الاصطناعي التزاماً من كبار مديريها التنفيذيين. فمن خلال دعمهم المستمر، سيتمكّن فرق «تي» المنظمة من التنقّل عبر المراحل المختلفة لاعتماد الذكاء الاصطناعي؛ بغية تحقيق أهدافها على المدى الطويل. ولن تتمكن جميع المؤسسات المالية من اجتياز هذه التحوّلات؛ إذ نتوقّع أنّ عدداً كبيراً منها سيفشل.

ومع ذلك، توضح التجارب الحديثة السرعة التي تمكّنت من خلالها دول الخليج من إعادة بناء نفسها للتكيّف مع الحقائق المتغيرة. فبعض الدول مثل الإمارات والسعودية تركّز بشكل كامل على المستقبل.

وقد أظهرت هذه الدول أنّ بإمكانها إعادة ضبط نفسها بشكل سريع؛ لتلبية احتياجات الأجيال المقبلة التي لن تتمتّع برفاهية العيش في عالم تكون فيه الثروة الهيدروكربونية الدائمة أمراً مسلّماً به.

* محلل مالي معتمد، الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين في المنطقة (شاركه في المقال لاري تشاو، محلل مالي معتمد، مدير أول قسم الأبحاث في المعهد)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"