المشهد الاستثماري في منطقة الخليـج أكثر مراعاة للبيئة

01:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
مركز تسوق في الرياض

وليم طعمه *

يمثل تغير المناخ تحدياً اجتماعياً واقتصادياً غير مسبوق. وعلينا، كمجتمع عالمي، أن نتعلم تغيير السلوكات الراسخة؛ من أجل تجنب ما لا يُحمد عقباه في المستقبل.

 وتُعد هذه الحاجة إلى التغيير أمراً ملحاً بشكل خاص بالنسبة للاقتصادات الخليجية المصدرة للمواد الهيدروكربونية، التي تخضع على نحو متزايد للتدقيق من جانب المستثمرين الدوليين. ومن المتوقع أن يزداد هذا التركيز في ظل إدارة جديدة في واشنطن تعهدت بإعطاء الأولوية للبيئة، وإعادة الانضمام إلى اتفاق باريس بشأن الاحتباس الحراري وإطلاق حزمة تحفيز بقيمة تريليوني دولار.

 إننا نشهد بالفعل تغيراً في المشهد الاستثماري في جميع أنحاء المنطقة؛ إذ إن استخدام السندات الخضراء آخذ في الانتشار لجمع رأس المال في حين يسعى المستثمرون بنشاط إلى التمويل المتعلق بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

 إن القصور الذاتي، للأسف، هو واحد من القوى الأكثر تأثيراً في الكون. فنحن عادة لا نتغير حتى نحتاج إلى ذلك. ولا ريب أننا الآن في هذه المرحلة؛ إذ إن كوكبنا يشهد زيادة في درجات الحرارة، كنتيجة أساسية لارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون (CO2) والغازات الدفيئة الأخرى (GHGs) التي أدخلناها بشكل متزايد في غلافنا الجوي منذ الثورة الصناعية. ويمكن أن يؤدي التمويل دوراً في جعل العالم مكاناً أفضل فيما يتعلق بانبعاثات الكربون، ولكن لا مجال لتضييع المزيد من الوقت.

 إن تقديرات التكاليف المالية لتغير المناخ تعبر عن قيم متفاوتة بشكل كبير؛ لكنها كلها ليست قليلة. ففي أحد التقارير الصادرة حديثاً عن وحدة البحوث الاقتصادية قُدر صافي تكاليف القيمة الحالية لتغير المناخ بمبلغ 4.2 تريليون دولار أمريكي. ويهدف تقريرنا الجديد، (تحليل تغير المناخ في ضوء عملية الاستثمار)، إلى مساعدة المستثمرين على فهم المخاطر المادية ومخاطر الانتقال التي يمثلها تغير المناخ، والآثار الاقتصادية والسوقية التي سيجلبها المناخ المتغير، وكيف يمكن لأسواق الكربون أن تعمل كأداة لتحسين الأسعار في العوامل الخارجية السلبية الناجمة عن تغير المناخ. كما يستعرض التقرير فهماً للموارد المتاحة للمستثمرين الذين يبحثون عن أفضل أدوات التكامل في مجال تغير المناخ.

 ويتعين على القطاع المالي العالمي أن يسهم في الجهود العالمية الرامية إلى التصدي لتغير المناخ، ويُعد التصنيف الإرشادي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي بشأن الأنشطة المالية المستدامة خطوة في هذا الاتجاه، وهي خطوة بدأ صانعو السياسات من كندا إلى الهند في اتخاذها أيضاً. ومن أجل التوصل إلى فهم أفضل للفجوة الحالية بين النتائج المرجوة بشأن تغير المناخ والعمليات السائدة في مجال الاستثمار، أجرى معهد المحللين الماليين المعتمدين استطلاعاً لآراء أعضائه بشأن تغير المناخ من أجل إصدار تقرير «تحليل لتغير المناخ في ضوء عملية الاستثمار».

 لقد شكلت بعض نتائج الاستطلاع نقطة مضيئة في هذا الصدد؛ إذ يعتقد نحو 75 في المئة من المديرين التنفيذيين العالميين الذين شملهم الاستطلاع أن تغير المناخ قضية مهمة، ولكن نحو 40 في المئة فقط من جميع المشاركين في الاستطلاع يدمجون المعلومات المتعلقة بتغير المناخ في عملية الاستثمار الخاصة بهم. وتكشف هذه الفجوة بين الفهم النظري والتطبيق العملي النقاب عن تأخر شريحة كبيرة جداً من القطاع المالي وعدم لحاقها بالركب فيما يتعلق بتحليل تغير المناخ والتسعير في ضوء مخاطر تغير المناخ. 

ثم سئل المستثمرون عن المعلومات أو الموارد التي من شأنها أن تساعدهم على دمج قضية تغير المناخ بشكل كاف في عملية اتخاذ القرارات الاستثمارية. وعندما سئلوا عن سبب عدم إدراج تحليل تغير المناخ في عملية الاستثمار، أشار معظم الذين شملهم الاستطلاع (57) إلى عدم وجود أدوات قياس. وعندما سئلوا عن الأدوات التي يحتاجون إليها، كانت إجابة 49% هي المزيد من المعلومات عن استراتيجية المناخ من الشركات، في حين تمثلت إجابة 48% حول إفصاحات من جهات الإصدار حول المخاطر المتعلقة بالمناخ وتحليل السيناريوهات (48%).

 ويحتاج المستثمرون إلى بيانات أفضل ومعايير إبلاغ أفضل؛ للمساعدة على إدماج مخاطر المناخ في تحليل استثماراتهم، من أجل القيام بالوظيفة الرئيسية للتمويل، وهي التخصيص الفعّال لرأس المال. 

ونقدم في التقرير عدة توصيات إلى المستثمرين وجهات الإصدار ومقرري السياسات من أجل تحسين إدماج تحليل تغير المناخ في كل ما يقومون به مثل:

 • تسعير الكربون: يدعو معهد المحللين الماليين المعتمدين مقرري السياسات إلى ضمان تصميم الأطر التنظيمية لأسواق الكربون بما يحقق الشفافية والسيولة ويتيح سهولة الوصول للمشاركين في السوق العالمية وتطبيق معايير متماثلة في مختلف الولايات القضائية؛ وذلك بهدف تعزيز التسعير القوي والموثوق للكربون.

 • توقعات أسعار الكربون الواردة في تقارير المحللين: يوصي معهد المحللين الماليين المعتمدين بأن يراعي المتخصصون في مجال الاستثمار أسعار الكربون وتوقعاتهم لها في تحليل المخاطر المناخية.

 • زيادة الشفافية والكشف عن المقاييس المناخية: يشير معهد المحللين الماليين المعتمدين إلى أن قطاع الاستثمار يعتمد على معايير محاسبة الاستدامة (SABS) وفريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتصلة بالمناخ (TCFD)، وهي معايير الإفصاح الأكثر صلة بالمناخ وأكثرها إيجازاً للتعامل مع الأهمية المادية للمخاطر المتصلة بالمناخ. 

• التواصل مع الشركات بشأن المخاطر المادية والانتقالية للتغير المناخي: يؤكد معهد المحللين الماليين المعتمدين ضرورة تعاون المستثمرين مع جهات الإصدار لضمان الشمولية الكافية للبيانات المتعلقة بالمناخ وتحليل السيناريوهات والإفصاحات ذات الصلة بما يدعم التحليل الدقيق للمخاطر المناخية في عملية الاستثمار.

 • التثقيف المستمر من قبل ممتهني إدارة الاستثمار: يتعين على المستثمرين مواصلة تثقيف أنفسهم بشأن التغير المناخي حتى يمكنهم تزويد العملاء بالتحليلات المتعلقة بالمناخ التي يحتاجون إليها.

• مقررو السياسات: يتعين على المستثمرين مواصلة حث مقرري السياسات على وضع لوائح تنظيمية تكفل امتلاك المستثمرين للأدوات التي يحتاجون إليها للقيام بعملهم في مجال التمويل؛ أي التخصيص الفعّال لرأس المال بما يساعد على التصدي للتهديد الوجودي المتمثل في التغير المناخي.

سيكون تغير المناخ واحداً من أكثر الأحداث تأثيراً من الناحية الاقتصادية في تاريخ البشرية. وينبغي للعاملين بالاستثمار أن يدمجوا مخاطر تغير المناخ في التحليل المالي من أجل إدارة مخاطر وفرص المحفظة بكفاءة. وفي الوقت نفسه، فإن التغيرات الهائلة في المجتمع الناجمة عن تحولات تغير المناخ ستتيح فرصاً للمستثمرين في القطاعات القائمة والناشئة على حد سواء.

* الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

الرئيس الإقليمي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"