لماذا يتمرد البشر؟

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

أياً كانت التسميات، ثورة، احتجاجات، حراكاً، انتفاضات، إنها ظاهرة عرفتها كل الشعوب وشدت اهتمام الباحثين والدارسين تحت نظريات كثيرة أبرزها نظرية الحرمان النسبي والتوقعات. ولعل أبرز الدراسات بهذا الخصوص هي دراسة الباحث والعالم السياسي الأمريكي تيدر روبرت. وتركز الدراسة على نظرية الحرمان النسبي وما يرتبط بها من سلم التوقعات الذي يتجه دائماً نحو الأعلى وقدرة النظام السياسي على الاستجابة لهذه التوقعات. 
 وعرف العنف السياسي بأنه جميع الهجمات الجماعية الموجهة ضد النظام السياسي وأطرافه الفاعلة كالمؤسسات الأمنية أو الاقتصادية. ويتوقف ذلك على حجم العنف وحجم المشاركة والقوة التدميرية وطول المدة، وهي عوامل إن وجدت قد تُنجح حركات التمرد.
 وعموماً لدينا نموذجان سياسيان، النموذج الذي يسود في الدول الديمقراطية والمتقدمة وذات أنظمة الحكم الرشيدة، وهي النظم التي لديها القدرة والاستجابة، فتحقق درجة عالية من الاستقرار، ومن خلال توفر الطرق السلمية والشرعية كالانتخابات للتعبير عن مطالب المواطنين وتوصيلها لصانعي القرار. والنموذج الثاني نجد أمثلته في العديد إن لم يكن أغلبية دول العالم الثالث، حيث قدرات النظام في تراجع لأسباب تتعلق بالفساد وسوء الإدارة والرغبة في الحكم والاستئثار بالسلطة في يد فئة قليلة. والنتيجة الحتمية التمرد والثورة وما يصاحبهما من عنف وفوضى وتفسخ اجتماعي. وهناك عوامل كثيرة تسرّع التمرد أو تعمل على احتوائه، أولاً الشرعية السياسية التي تعني القبول الشعبي بمن يحكم. فالحكومات الشرعية نادراً ما تكون هدفاً لحركات التمرد أو انتفاضة الشعوب لأنها تعمل تحت أعين شعوبها. وبالعكس فالحكومات التي تفقد شرعيتها تكون عرضة لحركات التمرد والغضب الشعبي. وهناك سبب آخر للتمرد يتمثل في انعدام العدالة الاجتماعية وتفشي الظلم واتساع الفجوات بين الغنى والفقر. 
 غير أن فكرة العنف السياسي تتولد من رحم ردة فعل غير عقلانية إزاء حالة الشعور بالإحباط والكبت، فالإحباط والكبت يتولد عنهما العنف إما بالانتحار الفردي وهو ظاهرة شائعة، أو العنف الجمعي ضد الحكومات أو من يحكم، وضد الطبقات التي تحتكر المال والثروة.
 وما يساهم اليوم في انتشار العنف والإحباط وتحولهما إلى حالة جماهيرية، هو وسائل التواصل الاجتماعي، وعامل الهوية والانتماء الاجتماعي مثل شعور أقليات معينة بالتمييز في الحقوق، كما رأينا مؤخراً في الولايات المتحدة بعد مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد، أو بوعزيزي في تونس والذي أدى انتحاره حرقاً إلى ثورة شعبية عارمة أطلق عليها ما يسمى «الربيع العربي». وقد كشفت حالة الحرمان النسبي حجم التناقضات والفجوة التي تظهر داخل المجتمعات وتؤدي إلى الانتفاضات الشعبية ضد النظام الحاكم.
 وكما أشار تيدر روبرت في كتابه، فإنه كلما كان تبرير الناس المعياري للعنف أكبر، زاد احتمال مشاركتهم في العنف السياسي أكثر. فحالة الحرمان هي مقدمة لحالة التمرد والاحتجاج الشعبي. ولا يقتصر ربط العنف السياسي بالعلاقة بين الحاجات والقدرة على تلبيتها، بل أيضاً قد تكون الدوافع والمحددات غير مادية مثل العدالة والظلم وغياب الحرية والحكم الديمقراطي الرشيد والتمييز العنصري أوالإثني أو العقدي. ولعل السبب الرئيس هو فشل الدولة أو السلطة المركزية في تحقيق حالة من الاندماج والانصهار المجتمعي اللذين يعبّر عنهما بتحقيق المواطنة والانتماء الوطني. وعندما لا يتوفر ذلك تسود حالات من التفسخ الاجتماعي بما يؤدي إلى ضعف المواطنة والشعور بحالة من الغربة في الوطن، ما يولد الشعور لدى المواطن بأن الوطن ليس له، بل لمن يملك المال والسلطة.
 وإلى جانب نظرية الحرمان النسبي، هناك أكثر من نظرية مثل نظرية الصراع الطبقي في الفكر الماركسي وهذا ما ركز عليه بارينغتون مور في أطروحته بأن الثورات تحدث عندما يكون هناك صراع طبقي داخل المجتمع. واستند في ذلك إلى الصراع بين الطبقات الأرستقراطية والفلاحية في أوروبا والتحول إلى المجتمعات الصناعية.
 وبقدر رشادة الحكم واستجابته لحاجات المواطن وعمله على سد فجوة الفقر وتقليص أساليب القوة والقمع، وبقدر نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف والكراهية وبقدر شرعية الحاكم يمكن التغلب على حركات التمرد والانتفاضات الشعبية، وهذا ما استفادت منه كثير من الدول العربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"