معالجة أزمة لبنان بإضافة كتلة نقدية دون سيولة إنتاجية

23:27 مساء
قراءة 3 دقائق

ذوالفقار قبيسي *
حجم النقد المتداول يتزايد في لبنان والحبل على الجرار.. ويضع لبنان في مشكلة تشبه موس الحلاقة في الجرح، إذا رفع أو خفض الألم حاصل في الحالتين.
وطريقة الخروج من مثل هذا المأزق تعددت حسب البلد ونوع المشكلات والأهداف الاقتصادية والاجتماعية، كان منها في التاريخ الاقتصادي الحديث ما عرف في انجلترا في عام 1957 باسم Radcliff Report (على اسم اللورد رادكليف المشرف على اللجنة التي أعدت التقرير) والذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية في العالم حول مشكلة: أيهما أفضل للنمو الاقتصادي زيادة حجم النقد المتداول في أيدي الناس ولو على حساب بعض التضخم، أم إنقاص الحجم بما يؤدي إلى انكماش منعاً للمزيد من التضخم؟
ومع أن العنوان أو «النقد المتداول» هو نفسه في الحالتين إلا أن التقرير الذي أعدته لجنة من الاقتصاديين والخبراء طرح عبارة «السيولة النقدية» مقابل عبارة «النقد المتداول»، واعتبر أن السياسة النقدية السليمة هي التي لا تعطي الأولوية إلى الحد من «النقد المتداول»، وإنما لتوفير القدر الكافي من «السيولة النقدية» في أيدي الناس، ودعا إلى ضخ أعلى قدر ممكن من ال(Cash) وكل التسليفات المصرفية والقروض من المصادر الدولية واستثمارها بموجب خطة اقتصادية تؤدي إلى ما أسماه «إنجاز الأهداف الثلاثة الرئيسية من أي سياسة نقدية»: تحقيق المعدل الأعلى المطلوب من النمو، وتوفير القدر الأكبر من فرص العمل، وفي الوقت نفسه ضمان الاستقرار في معدل سعر الصرف الذي اعتبره التقرير ركناً أساسياً في أي سياسة نقدية - اقتصادية - اجتماعية تحافظ على سلامة القوة الشرائية للمدخرات وتجذب القدر الأكبر من الاستثمارات.
وعلى الصعيد العالمي، دعا التقرير أيضاً إلى زيادة السيولة النقدية العالمية عبر زيادة السيولة في صندوق النقد الدولي الذي دعا التقرير إلى تعزيز دوره في تحقيق المزيد من معدلات النمو في العالم.
ومن العبارات اللافتة التي وردت في التقرير: «في غياب سياسة نقدية تدافع عن سعر صرف ثابت، سيكون من الصعب التأكد من معدل التوازن بين الأكلاف الداخلية والأكلاف الخارجية وستكون النتيجة عندها إجراءات متعددة ومفاجئة لعمليات تخفيض متكررة لخفض سعر العملة الوطنية بما ينسجم مع المعدلات الخارجية».
وقد كان من أهم الانتقادات التي وجهت للتقرير أن تركيزه عل تلبية الحاجة بالقدر الأكبر من «السيولة النقدية» أفقده الاهتمام الكافي بمخاطر التضخم الناتج عن زيادة «النقد المتداول».
وبالعودة إلى الأزمة اللبنانية، فإن ما يحصل هو عكس وجهتي النظر، ودون أي نظرية بالمطلق، حيث طباعة النقد المتداول وضخه في الأسواق مستمرة في غياب أي سياسة نقدية تخدم خطة اقتصادية إنمائية، بل لمجرد دفع استحقاقات قديمة، أو داهمة، أو لتحقيق أهداف «شعبوية»، أو «انتخابية»، كما هو الوصف الذي أعطي أخيراً لإعادة 50% من جزء من الودائع بالليرة اللبنانية برغم كل ما تؤدي إليه هذه العملية من التضخم الناتج أيضاً عن دفع أجور ورواتب جهاز حكومي متضخم بمئات آلاف الموظفين والعمال والمياومين والمتعاقدين والمتقاعدين بالليرة اللبنانية، إضافة إلى ما يدفع بالليرة اللبنانية أيضاً من الفوائد المترتبة على نحو ثلثي الدين العام وعلى باقي البنود التي تشكل بمجملها العجز المتواصل في الموازنة العامة، إضافة إلى العجز السنوي الكبير في ميزان المدفوعات بنحو١٠ مليارات دولار سنوياً لبلد لا يزيد سكانه على 5 ملايين نسمة.
 * كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب لبناني

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"