عادي

معركة في مقدونيا الشمالية لإنقاذ أقدم بحيرة في أوروبا

17:02 مساء
قراءة 3 دقائق
بحيرة أوهريد

أوخريد (مقدونيا الشمالية) - أ ف ب

يقف ديميتار بندوسكي على ضفة بحيرة أوخريد، أقدم بحيرات أوروبا والمهددة بفعل تمدّد المدن والسياحة الفوضوية، متأملاً بأسف مطعمه المغطى بشوادر خضراء بعدما أغلقته السلطات تحت ضغط منظمة اليونسكو.

وسعياً منها للحفاظ على تصنيف الموقع على قائمة التراث البشري العالمي، قطعت بلديّة المدينة الواقعة في مقدونيا الشمالية، الكهرباء عن المطعم الذي يمكن الوصول إليه عبر جسر خشبيّ مترنّح.

وأوضح صاحب المطعم البالغ من العمر 59 عاماً فيما عشرات المصطافين يتشمسون على ضفاف المياه: «الكل خاسر في المسألة، الموظفون والاقتصاد المحلي، وبالطبع السياح إذ لا مكان يذهبون إليه على الشاطئ».

ويتميّز حوض بحيرة أوخريد الممتد على مدى البصر على الحدود بين مقدونيا الشمالية وألبانيا، بتنوّعه الحيويّ وتراثه المعماري والثقافي الفريدين. لكن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة تهدد بإدراج البحيرة على قائمتها للمواقع المهددة، في قرار ينتظر صدوره في يوليو / تموز.

وفككت بلدية أوخريد في الأشهر الماضية حوالي عشرة مطاعم لاعتبارها غير مناسبة على ضفة بحيرة تشكلت قبل أكثر من 1,3 مليون سنة.

وإن كان دعاة حماية البيئة أخذوا علما بهذه البادرة، إلا أنهم يعتبرونها نقطة في محيط من التمدّد الحضري العشوائي الجاري في المنطقة بأسرها منذ تفكك يوغوسلافيا في تسعينات القرن العشرين.

ومدينة أوخريد التي تعتبر من أقدم التجمّعات السكنية في أوروبا وتحتوي على مئات الأيقونات البيزنطية وبقايا من العصر الحجري الحديث، تخطت بشكل واسع حدودها القديمة، وباتت فنادق فاخرة وأرصفة ومتاجر تصطف اليوم على ضفاف البحيرة.

وجلب التوسع السكاني معه الكثير من المشكلات مثل الصرف الزراعي وتحويل مجاري أنهار تحمل مواد ملوثة إلى البحيرة، وسوء معالجة مياه الصرف الصحي، وإزالة القصب الذي يشكل مصفاة طبيعية لمياه البحيرة، فضلاً عن مشاريع لإنشاء موانئ وبنى تحتية للمواصلات.

سرطان البحيرة

ويجد البلدان الفقيران في منطقة البلقان صعوبة في تنسيق التدابير لحماية موقع لم تصنف اليونسكو ضفّته الألبانية على قائمتها للمواقع التراثية إلا قبل ثلاث سنوات فقط.

وأقر رئيس البلدية كونستانتين جورجيسكي (43 عاماً) الذي يتولى بلدية المدينة منذ وفاة سلفه عام 2018 بأنه «بعد ثلاثين عاما من الإهمال، يبدو من الطبيعي أن تفقد اليونسكو صبرها».

ويقول الغطّاس وعالم الآثار نيكولا باسكالي (33 عاماً): «كل شيء خرج عن السيطرة». وإضافة إلى استكشافه قعر البحيرة منذ سنوات بحثاً عن بقايا من العصر البرونزي، ينظم باسكالي حملات لجمع ما يرمى فيه من عبوات بلاستيكية وقمامة وصولاً إلى تجهيزات مثل أجهزة تلفزيون وحتى مغاطس قديمة وأغطية كراسي حمّام.

وقال: «النفايات هي سرطان البحيرة»، متهما السلطات بعدم بذل جهود تذكر للحفاظ على التنوع الحيوي في موقع يؤوي 200 جنس متوطّن، من بينها أسماك تراوت أوخريد المهددة بالانقراض.

وتؤكد السلطات المحلية والحكومية في آن أنها تعالج المشكلة مع إقرار خطة إدارية للعقد المقبل، لكنها تطلب إمهالها بعض الوقت لتطبيق توصيات اليونسكو.

ويؤكد رئيس البلدية في الوقت الحاضر أنه «خلّص نهائياً» الشواطئ من المطاعم الخشبية التي انتشرت في ظروف معقدة سمحت لآلاف المالكين باستغلال ثغرات في كمّ هائل من القوانين المتناقضة.

وتقول اليونسكو إن ثلث مياه الصرف الصحي في أوخريد يصب مباشرة في البحيرة.

لكن جورجيسكي أوضح أنه «من الصعب القضاء على أملاك الناس في مدينة صغيرة» يبلغ عدد سكانها خمسين ألف نسمة، مضيفاً: «أصبحْت الآن عدوّهم الشخصي».

وتدعو السلطات المحلية إلى سياحة أكثر استدامة، عائلية وثقافية بدل التجمعات الاحتفالية.

توازن

يقول رئيس البلدية: «لسنا في إيبيزا هنا». ويرى أنصار البيئة أن الأمم المتحدة أحسنت بإطلاقها صفّارة الإنذار، آملين أن يؤدي ذلك إلى حشد التمويل الضروري.

ورأت كاتيرينا فاسيليسكا من منظمة «أوخريد إس أو إس» غير الحكومية أنها «الطريقة الوحيدة لوقف كل هذا التخريب»، لكنها لفتت إلى أنه «لو بدأنا الآن، نحن بحاجة إلى سنوات وسنوات لإصلاح الأضرار».

ويؤكد ديميتار بندوسكي أنه حصل على كل التراخيص الضرورية لمطعمه الذي استقبل زبائن على مدى عشر سنوات على ضفة البحيرة.

ويعتبر أنه ينبغي تحقيق «توازن. لأن الهدف مشترك، هو كسب المزيد من الزبائن وحماية البحيرة والطبيعة، لكن ينبغي تحقيق تنمية اقتصادية محلية».

ويردّ دعاة حماية البيئة مؤكدين أن الجدل القائم في كل أنحاء العالم بين المنادين بالتنمية والمدافعين عن البيئة هو جدل زائف.

وشدد نيكولا باسكالي على أنه «يتحتّم علينا الحفاظ على نظافة البحيرة، وإلا سنخسر كلّ شيء، سوف نخسر السياحة».

والأمور أكثر وضوحا بعد بنظر كاتيرينا فاسيليسكا التي قالت «نوظف ثلاثين شخصاً لكننا نلوّث مياه خمسين ألف نسمة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"