عادي

فواجع العراق.. فساد وإهمال متجذر

22:58 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أحمد سيد أحمد *
عكست فاجعة حريق مستشفى الإمام الحسين الخاص بمعالجة كورونا، حجم التحديات والأزمات التي يواجهها العراق وباتت تتكالب عليه، وكشفت الغطاء عن هشاشة الهيكل الإداري للدولة ومدى حجم الفساد والإهمال والتردي الذي تعانيه البلاد، وأفضى إلى تداعيات خطيرة وأبرزها تفاقم معاناة الشعب العراقي.

حريق مستشفى الحسين في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار، الذي أدى إلى مقتل وإصابة وتفحّم المئات، حيث قتل 83 شخصاً، وإصابة 50، وتفحّم أكثر من 20 جثة، نتيجة لانفجار ثلاثة أنابيب أوكسجين، لم يكن الأول من نوعه، فهو ثاني حريق في المستشفيات الخاصة بمعالجة مصابي «كورونا» في أقل من ثلاثة أشهر، بعد الحريق الضخم الذي نشب أيضاً في مستشفى ابن الخطيب في إبريل/ نيسان الماضي، وأدى لمقتل وإصابة العشرات، كما أنه يكشف بوضوح أن هذه الكوارث والفواجع التي يعانيها العراق ما هي إلا أعراض لمرض حقيقي يعانيه العراق، ويتمثل في استشراء ثلاثي الفساد والإهمال وتردى الخدمات الأساسية، خاصة في قطاع الصحة، حتى وصل الأمر إلى اندلاع حريق في وزارة الصحة العراقية ذاتها في الأسبوع ذاته.

فبعد حريق مستشفى ابن الخطيب لم تتحرك الأجهزة المعنية لمنع تكرار مثل تلك الكوارث والحرائق، وإنما تم اتخاذ بعض الإجراءات الروتينية، مثل معاقبة بعض المسؤولين عن تلك المستشفيات، لكن لم تتخذ سياسات جذرية خاصة بتحسين أوضاع المستشفيات العراقية التي أصبح شعارها: الداخل إليها مفقود، فكثير من المرضى يموتون في المستشفيات، سواء العادية أو المتخصصة لمعالجة إصابة كورونا، ليس بسبب تداعيات فيروس كورونا، ولكن بسبب الإهمال ونقص الخدمات الصحية المقدمة وغياب الحد الأدنى من العلاج والخدمات الطبية التي تقدم خدمات صحية حقيقية للمواطن، ما يعكس حجم التدهور والتراجع والانهيار الكبير في المنظومة الطبية العراقية، رغم أن العراق غني بموارده الطبيعية خاصة من النفط والغاز.

غياب المحاسبة

أيضاً هذه الفواجع هي نتاج لغياب المحاسبة ومعاقبة المسؤولين عن الإهمال، فرغم أن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قد أقال كلاً من مدير صحة ذي قار ومديري مستشفى الحسين والدفاع المدني في المحافظة، وإخضاعهم للتحقيق، لكن هذا لا يكفي لردع المسؤولين عن الإهمال، خاصة في ظل احتمالات تكرار مثل هذه الفاجعة التي وقعت في مستشفى الحسين في مستشفيات أخرى منتشرة في كل أنحاء العراق، وتعيش الأوضاع الصحية والإدارية البائسة نفسها. كما أن هناك تداعيات خطيرة لتكرار تلك الفواجع وأبرزها تفاقم معاناة المواطن العراقي ودخول البلاد في مزيد من التحديات التي تعرقل تقدمه السياسي والاقتصادي.

ترابط الأزمات

المشهد المأساوي الذي يشهده قطاع الصحة في العراق وكشفته الفواجع الكبيرة في مستشفيي الحسين وابن الخطيب، لا ينفصل عن المشهد العراقي ككل وحالة التدهور والأزمات والتحديات التي يشهدها العراق في كل القطاعات، فبالتزامن مع الوضع الصحي المتردي، هناك الوضع المتردي في القطاعات الأخرى، خاصة قطاع الكهرباء، مع تصاعد عمليات تفجير أبراج الكهرباء في البلاد، وتدمير البنية الأساسية لشبكة الكهرباء ليعيش السكان العراقيون في ظلام دامس، كما يتزامن ذلك مع غياب المياه النظيفة، وكذلك تدهور الخدمات الأساسية الأخرى، في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر وارتفاع أسعار السلع والخدمات، بل ونقصها في الأسواق، ما دفع المواطنين العراقيين إلى الخروج للتظاهر والاحتجاج خاصة في مدن العراقية الجنوبية، احتجاجاً على الفساد والإهمال والبطالة، ورفضاً للطبقة السياسية المسيطرة على المشهد العراقي، ومطالبة بتغيير المعادلة السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية التي أدخلت البلاد في دوامة من عدم الاستقرار وتدهور الأوضاع الاقتصادية التي تفاقمت بسبب أزمة «كورونا»، وتراجع أسعار النفط واستشراء الفساد الذي استنزف موارد البلاد.

وضع العراقيل

تبدو فواجع وأزمات العراق المتكررة كأن هناك قوى معينة تريد وضع العراقيل، لمنع تقدم العراق إلى الإمام، خاصة في ما يتعلق بالتغيير السياسي، مع إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث هناك من يحاول دفع العراق نحو الخلف ومنع إجراء الانتخابات، للحفاظ على الأوضاع القائمة التي تستفيد منها نخب وكتل سياسية محددة.

ورغم أن الحكومة العراقية بقيادة الكاظمي أعلنت عن خطوات عدة لدفع البلاد إلى الأمام، من الناحية السياسية بإصرارها على إجراء الانتخابات والتجاوب مع مطالب المتظاهرين والمحتجين، وخاصة محاسبة المسؤولين عن قتل النشطاء والمتظاهرين، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة من جانب بعض الكتل السياسية، ورغم إعلانها القبض على قتلة الناشط والخبير الأمني هشام الهاشمي، إلا أن هناك جرائم كثيرة لقتل النشطاء لم تتم محاسبة مرتكبيها. كما أن حكومة الكاظمي تسعى لتحسين الأوضاع الاقتصادية من خلال جذب الاستثمارات الخارجية، خاصة العربية، كما يتجسد ذلك في مشروع المشرق العربي الجديد بين العراق والأردن ومصر، إلا أن مشاكل العراق الاقتصادية ضخمة نتيجة لتراكم سنوات كثيرة من الفساد، خاصة أموال إعادة الإعمار، ويحتاج العراق إلى أموال واستثمارات ضخمة للخروج من تلك الأزمات، كذلك يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لتحسين مستوى معيشة الشعب العراقي وتوفير الخدمات الأساسية من صحة ومياه وكهرباء، وكذلك معالجة مشكلات البطالة وارتفاع الأسعار.

الخروج من الدوّامة

نجاح الحكومة العراقية في مواجهة هذه التحديات والخروج من الدوامة يتطلب:

* أولاً: تغيير المعادلة السياسية العراقية القائمة على المحاصصة الطائفية، كذلك المضي قدماً في إجراء الانتخابات وفقاً لقانون الانتخابات الجديد لتمكين الشباب والمستقلين في العملية السياسية، ما يغير من الخريطة السياسية الحالية، لكن هناك تحديات كبيرة أمام ذلك، خاصة بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مقاطعته للانتخابات المقبلة وعدم دعمه للحكومة الحالية، أو المقبلة.

* ثانياً: يحتاج العراق إلى النأي بنفسه عن سياسة الاستقطاب بين القوى الخارجية التي تستهدف العراق ساحة لتصفية الحسابات وتوظف الميليشيات والحركات المسلحة الحليفة لها للتأثير في المشهد العراقي، ما يدفع ثمنه في النهاية الشعب العراقي.

* ثالثاً: يحتاج العراق إلى تحديد الأولويات خاصة تحسين مستوى معيشة لشعب العراقي وتحسين الأوضاع في قطاعات الصحة والكهرباء والمياه، كذلك محاربة الفساد وفق لإجراءات جذرية لمحاسبة ومعاقبة الفاسدين خاصة في القطاع الإداري للدولة. ومن دون تلك الخطوات ستتكرر فواجع العراق، والمواطن العراقي هو وحده الذي يدفع الثمن.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"