ليبيا التي تؤرّق القارة العجوز

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

قال عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، إن ليبيا يمكن أن تعود إلى المربع الأول، إذا لم تتم الانتخابات الرئاسية والنيابية في موعدها المقرر له 24 ديسمبر المقبل. 

والمقصود بالمربع الأول في حديث رئيس البرلمان، ليس فقط أن ترجع الدولة الليبية الحالية إلى حيث بدأت حكومتها الانتقالية الحالية، ولكن القصد هو العودة إلى أجواء ما يسمى بالربيع العربي في 2011، عندما سقط نظام العقيد القذافي في ذلك العام.. ولا بد أن هذه الأجواء التي كانت كابوساً لكل ليبي، والتي رأينا تداعياتها بأعيننا، هي بالتأكيد ما لا يريده أي عربي للأراضي الليبية. 

ولا بد أيضاً أن ما قاله صالح في هذا الشأن يُحسب له دون شك، لا لشيء، إلا لأن إجراء الانتخابات في موعدها معناه مجيء مجلس نواب جديد، وعندما يأتي مثل هذا المجلس نهاية هذه السنة كنتيجة للانتخابات، فليس من الضروري أن يكون عقيلة عضواً فيه، فضلاً عن أن يكون رئيساً يجلس على قمة المجلس. 

ومعنى ذلك أن عقيلة يقدم صالح بلده على مصلحته هو التي تتحقق ببقائه في المنصب، وهذا تفكير سياسي ناضج يظل محسوباً في ميزان صاحبه. 

ولا تعرف ماذا جعله بالضبط يبادر بإطلاق تحذير من هذا النوع، ولكن ما نعرفه أن حكومة ليبية وطنية، تشكلت في مارس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأنها توصف بأنها حكومة انتقالية، وأنها رأت النور بعد حوارات سياسية مطولة انعقدت ثلاث مرات: مرة في تونس، وأخرى في المغرب، وثالثة في سويسرا. 

وهذه الحكومة توصف هكذا لأن من بين أهداف تشكيلها الوصول بالبلاد إلى موعد الانتخابات في أمان، وتهيئة الأجواء السياسية وغير السياسية لإجرائها في موعدها، وعدم السماح لأي طرف من الأطراف الداخلية بتعطيل الوصول إلى الموعد دون تأخير ولا إبطاء. 

ولسبب غير واضح شاع في البلاد مؤخراً أن الانتخابات من المحتمل أن تتأجل إلى إبريل المقبل، وأن ذلك أمر وارد، وأن التأجيل إذا تقرر فلن يكون إلا لظروف قاهرة، تراها حكومة الدبيبة عقبة في طريق الوفاء بالاستحقاق الانتخابي في موعده.

وهذا التلويح بالتأجيل يدل على أن في ليبيا أطرافاً ترغب في عدم إجراء الانتخابات في الموعد المقرر مسبقاً، وأن هذه الأطراف التي لا نراها إنما تخشى من صندوق الاقتراع وتخشى ألا تصادف نتائجه هواها، وتسعى بالتالي إلى بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه. 

وحقيقة الأمر أن إجراء الاقتراع في موعده، لا يمثل فقط حاجة عربية، ولكنه يمثل حاجة دولية وأوروبية بالذات، لأن شواطئ ليبيا على البحر المتوسط لا تزال مصدر صداع لا ينتهي للأوروبيين، بسبب الهجرات غير الشرعية التي تنطلق منها نحو القارة العجوز على مدار ساعات اليوم.. فلا يكاد يمر يوم حتى نطالع في وسائل الإعلام ما يشير إلى أن مراكب تنطلق من الشواطئ الليبية دون توقف، وهي تحمل على متنها العشرات ممن يخاطرون بحياتهم عبر المتوسط. 

أما الحاجة العربية فهي ضرورة الوقوف في طريق انزلاق ليبيا إلى طريق الدول الفاشلة، لأن انزلاقها في هذا الطريق يمكن أن يحدث إذا لم تنعقد الانتخابات في موعدها المحدد، وبالتالي سوف يظل يمثل عبئاً على كل عاصمة عربية، قبل أن يمثل خصماً من رصيد الأمان في حياة كل ليبي، لم تعرف حياته الاستقرار منذ أن هبت رياح ما نسميه الربيع. 

وأما الحاجة الأوروبية فهي منع الهجرة غير الشرعية التي تؤرق كل أوروبي كما لا يؤرقه شيء آخر.. ولماذا لا تؤرقه وهو يرى قوافلها تتدفق في الحالة السورية حتى تكاد تغرق عواصم بأكملها؟ 

وحقيقة الأمر أن الذهاب بليبيا إلى موعد الاقتراع هو حاجة وطنية داخلية، قبل أن يكون حاجة عربية أو حتى دولية، لأن الوطن يشغل مواطنيه أول ما يشغل.. وأظن أن هذا ما قصده عقيلة صالح وهو يطلق تحذيره بالصوت العالي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"