المارد الصيني يسابـق العالم في ماراثون الهيمنة المالية

22:39 مساء
قراءة 4 دقائق

تشانج جون *

تميل القوى العظمى عبر التاريخ إلى امتلاك نفوذ واحد أو أكثر تبسط من خلاله سيطرتها على باقي العالم، وتفرض هيمنتها المطلقة. وكان هذا صحيحاً، وربما لا يزال، بالنسبة للولايات المتحدة، وينطبق الآن على الصين، فإلى جانب كونها قوة اقتصادية وتجارية رائدة، أصبحت على نحو متزايد قوة مالية عالمية أيضاً.

بطريقة ما، لم يتوقع العديد من الاقتصاديين في الغرب ذلك السيناريو، وفشلوا في تضمين متغير الحجم المهم للاقتصاد الصيني في حساباتهم. وحتى قبل عقد من الزمان، تفاءل قلة منهم فقط، بنمو القوة المالية الخارجية للصين، حيث سلط المشككون الضوء أكثر على نقاط الضعف في البلاد. واليوم، وبعد عشر سنوات من التشكيك، بات من المستحيل تجاهل النفوذ المالي للتنين الصيني.

واعتباراً من إبريل/نيسان 2019، أضاف مؤشر «بلومبيرج باركليز» العالمي المجمع، وهو أداة تتبّع رئيسية لأداء السندات العالمية، 364 من سندات السياسة البنكية والسيادية الصينية المقومة بالرنمينبي، إلى مزيج السندات الخاص به.

فكان الإدراج الأول للسندات الصينية المحلية في مؤشر عالمي رئيسي علامة فارقة في انفتاح الأسواق المالية الصينية. وتلا ذلك مزيد من التقدم، حيث أضاف «جيه بي مورجان» سندات الحكومة الصينية إلى مؤشره الرئيسي في الربع الأول من عام 2020، وسيحذو مؤشر «فوتسي راسل» للأسواق الناشئة حذوه في وقت لاحق من هذا العام.

وبذلك سيتم إدراج السندات الصينية في جميع أسواق السندات الرئيسية الثلاثة التي يتتبعها المستثمرون العالميون. ولم يعد مفاجئاً أن مؤشر عولمة الرنمينبي، RMB globalization index، الذي يقيس النمو في استخدام العملة في الخارج، قد وصل إلى مستويات قياسية جديدة هذا العام وبعد ثلاث سنوات من النمو السنوي بنسبة 40%.

كما أدى «التدويل» السريع لسوق السندات في الصين إلى تسريع تدويل الرنمينبي. فمنذ عام 2010، والحكومة الصينية تسمح للبنوك المركزية، وبنوك المقاصة الخارجية، والبنوك المشاركة في الخارج، بالاستثمار في سوق السندات بين البنوك في الصين.

إلى ذلك أطلقت الصين في عام 2014 قناة استثمار عبر الحدود، تربط بورصة شانجهاي وبورصة هونج كونج، وأخرى تربط بورصة «شنتشن» بهونج كونج، بعد عامين. ومنذ ذلك الحين أتاح بنك الشعب الصيني للمستثمرين المؤسساتيين الأجانب، الوصول مباشرة إلى سوق السندات بين البنوك الصينية. وفي عام 2017، أسست الصين «تشاينا بوند كونيكت»، وهو مخطط يتيح للمستثمرين الأجانب الوصول إلى أسواق الدخل الثابت في البر الرئيسي الصيني عبر البنية التحتية التجارية في هونج كونج.

ووفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز، فإن هذه الجهود تؤتي ثمارها. فقد امتلك المستثمرون الأجانب ما قيمته 35.3 مليار دولار من الأسهم الصينية الصافية من خلال قنوات الاستثمار في الأسهم لهذا العام، بزيادة سنوية بلغت نحو 49%. واعتباراً من يوليو/تموز، كان لديهم أكثر من 228 مليار دولار من أسهم الفئة «A» المقومة بالرنمينبي التابعة لشركات مقرها الصين.

علاوة على ذلك، اشترى المستثمرون الأجانب ما قيمته أكثر من 75 مليار دولار من السندات الحكومية الصينية هذا العام، بزيادة 50% على أساس سنوي، ونحو 578 مليار دولار من السندات الصينية من خلال قناة «تشاينا بوند كونيكت». ويمتلكون اليوم نحو 806 مليارات دولار من الأسهم والسندات الصينية، بزيادة 40% على العام الماضي.

لقد ضخت الولايات المتحدة وأوروبا مبالغ ضخمة من الأموال وسط سياسة نقدية فضفاضة للغاية، تهدف إلى التعامل مع جائحة «كوفيد  19»، واعتُبرت الصين وجهة أكثر أماناً من اقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى على المدى البعيد.

وأظهر مسح المستثمر العام العالمي الصادر عن منتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمية، أن 30% من البنوك المركزية تخطط لزيادة مقتنياتها من الرنمينبي خلال العامين القادمين، مقارنة ب10% العام الماضي. وفي إفريقيا تحديداً، يخطط ما يقرب من نصف البنوك المركزية لزيادة احتياطياتها من العملة الرسمية الصينية.

ونتيجة لذلك، فإن نصيب الرنمينبي من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية آخذ في الارتفاع بمتوسط معدل سنوي يقارب نقطة مئوية واحدة على مدى السنوات الخمس المقبلة. ويتوقع بحث أجراه «جولدمان ساكس» و«سيتي بنك»، أن الرنمينبي سيكون من بين أكبر ثلاث عملات تأثيراً في العالم خلال عقد من الزمن.

وبينما تفتح الصين أسواقها المالية أمام العالم، فإنها تسير قدماً نحو تطوير العملة الرقمية لبنكها المركزي. ويتم في هذه الأثناء اختبار «اليوان الرقمي» في العديد من المدن الرئيسية، مما يضع البنك المركزي الصيني في طليعة البنوك المركزية للدول الأخرى في تصميم نظام العملة الرقمية الخاص به.

ونظراً لأن مبادرة الحزام والطريق تزيد من تدفقات التجارة والاستثمار بين الداخل والخارج، فإن اليوان الرقمي الجديد سيوسع استخدام الرنمينبي في تسوية المعاملات عبر الحدود، ويقلل الاعتماد على شبكة «سويفت»، ويمهد لإنشاء نظام دفع رقمي إقليمي أكثر ملاءمة بقيادة الصين. والأهم من ذلك، ستساعد العملة الصينية الرقمية البلاد على تدويل ديونها المحلية البالغة قيمتها عدة تريليونات من الدولارات، وبالتالي خلق سوق ضخم ومناخ ملائم لتحويل الرنمينبي إلى عملة دولية.

مهما كانت التحديات التي تواجهها الصين، لم يعد ممكناً تجاهل صعودها المالي. والتنبؤات التي لم يأخذها أحد على محمل الجد، ستحدث بشكل أسرع وأكثر شمولاً مما توقعه معظم المراقبين.

*مدير المركز الصيني للدراسات الاقتصادية (ساوث تشاينا مورننج بوست)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مدير المركز الصيني للدراسات الاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب