واشنطن تطوي صفحة الحرب

00:54 صباحا
قراءة دقيقتين

طوت واشنطن صفحة أطول حروبها التي استمرت 20 عاماً في أفغانستان، بلا احتفال ومن دون إعلان للنصر، كما كان القادة الأمريكيون يمنّون النفس، وسط تصاعد الانتقادات للطريقة والفوضى والعنف التي واكبت عمليات الإجلاء، والقلق من إمكانية وقوع الأسلحة التي استولت عليها طالبان في أيدي جماعات متطرفة مثل «داعش» و«القاعدة» واستخدامها لاحقاً في شن هجمات إرهابية.
صفحة الحرب طويت بالفعل، مع مغادرة آخر عسكري أمريكي مطار كابول قبل يوم واحد من الموعد المقرر لإنهاء الانسحاب، لكنها، في الواقع، تحولت إلى كابوس يقض مضاجع القادة الأمريكيين، بسبب التداعيات والمفاعيل التي أحدثتها، إن في الداخل الأمريكي، أو في الخارج لدى الحلفاء والأعداء، على حد سواء، والتي قد تستمر لسنوات طويلة قادمة. ففي الخارج يرى أصدقاء وحلفاء أمريكا أنه كان بالإمكان العمل أحسن مما كان، على صعيد تنظيم الانسحاب، قبل ذلك على صعيد إضعاف «طالبان» إلى الحد الذي يمكن الحكومة الأفغانية السابقة من البقاء وإنجاز مهمة بناء دولة ديمقراطية في هذا البلد، بينما يرى خصوم أمريكا أن ما حدث هو إضعاف لمصداقية أمريكا، ويثير فرضية عدم وثوق الشركاء بالسياسة الأمريكية بعدما تبين أن واشنطن يمكن أن تتخلى عنهم في أية لحظة، فضلاً عن أن المستفيد الأكبر من ذلك هما روسيا والصين. أما في الداخل الأمريكي، فيبدو أن الأمر سيكون أكثر تعقيداً، على أبواب الانتخابات النصفية في 2022، بعدما وجدت إدارة بايدن نفسها في موقف الدفاع عن مشروع الانسحاب الذي بدأته الإدارة السابقة برئاسة ترامب، التي تستغل الآن طريقة الانسحاب والفوضى والتراجع السريع للقوات الأمريكية واضطرارها للقيام بعمليات إجلاء تحت الضغط، فضلاً عن انهيار الجيش الأفغاني بسرعة قياسية واستيلاء طالبان على أسلحة حديثة بمليارات الدولارات، للانقضاض على إدارة بايدن وتحميلها مسؤولية الفشل والأضرار التي قد تقع للولايات المتحدة. إذ سرعان ما تعالت أصوات جمهورية تطالب بعزل بايدن، واتهم زعيم الجمهوريين في مجلس النواب كيفين مكارثي بايدن بأنه ترك مئات الأمريكيين كانوا يحاولون الخروج من أفغانستان ليصبحوا رهائن، و«منح طالبان المزيد من طائرات هوك أكثر من أستراليا». وفي السياق نفسه، وقع 90 جنرالاً وأدميرالاً أمريكياً من المتقاعدين على رسالة تطالب بإقالة قادة «البنتاجون» نظراً «للضرر الذي لا يمكن إصلاحه» والذي ألحقته طريقة انسحاب القوات الأمريكية بسمعة الولايات المتحدة.
صفحة الحرب طويت عملياً بالفعل، لكن الأكيد، بحسب محللين أمريكيين، أن ما جرى سيترك آثاراً بالغة السلبية على بايدن وفريقه للأمن القومي في الوقت الذي سيُضاعف فيه تحفّز خصوم أمريكا وأعدائها للمضيّ بعيداً في مواجهتها. ويلخص أحد كتاب صحيفة «واشنطن بوست» التطورات منذ بدء عملية الانسحاب بأنها تشير إلى حقيقة واحدة، وهي أن «الولايات المتحدة فشلت في هزيمة طالبان، وفشلت في إقامة ديمقراطية فاعلة في بلد أنفقت فيه كمّيات هائلة من الدماء والأموال، وفشلت في إحباط انتشار الجماعات المتطرّفة، وفشلت حتّى في المغادرة بشروطها».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"