أبعد من أزمة غواصات

00:46 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ضربتان موجعتان تلقاهما حلفاء واشنطن في غضون أسابيع قليلة، الأولى في أفغانستان حين جاء قرار الانسحاب من دون التشاور مع الحلفاء، إنما عن طريق الإبلاغ في الساعات الأخيرة، والثانية من خلال «صفقة الغواصات» الأمريكية الأسترالية، على حساب الحليف الفرنسي، وبالتالي الأوروبي، ومن الواضح أنه ستكون لهما تداعيات خطِرة على مجمل العلاقات بين الحلفاء.

لا يتعلق الأمر فقط بخسارة صفقة تجارية تفوق الخمسين مليار يورو بعد إلغاء أستراليا لصفقة أبرمتها كانبيرا مع باريس في عام 2016 لبناء 12 غواصة تقليدية، وإنما بما تعتبره باريس «طعنة في الظهر» أو حتى «خيانة» بين الحلفاء جاءت مع سبق الإصرار بدفع من واشنطن التي ستزود كانبيرا ب 12 غواصة نووية، وستستفيد منها بريطانيا التي دخلت للتو في حلف جديد مع أستراليا والولايات المتحدة تحت اسم «أوكوس» وصفته فرنسا بأنه حلف «انجلوساكسوني» جديد.

قد يكون للغضب الفرنسي ما يبرره حين استدعت سفيريها من واشنطن وكانبيرا، وهددت بأن هذه الخطوة قد تؤثر لاحقاً في إبرام اتفاق تجاري بين أستراليا والاتحاد الأوروبي. علاوة على أن فرنسا تعتبر أن إلغاء الصفقة وجه ضربة قوية للصناعات الدفاعية الفرنسية، كما أصاب هيبة فرنسا في الصميم، خصوصاً بعد الإعلان عن حلف «أوكوس» وتعميق الخلافات بين الحلفاء. وهو ما دفع باريس إلى التعليق بأن بايدن اختار أن يسير على خطى سلفه ترامب ويمضي تحت شعار «أمريكا أولاً» مفضلاً ازدراء الحلفاء بدلاً من «رأب الصدع» في العلاقات الأوروبية الأمريكية بذريعة العمل على احتواء «التهديد الصيني».

هناك من يرى، بالمقابل، أن واشنطن، عقب الانسحاب من أفغانستان بحاجة إلى عمل استعراضي يمحو من أذهان الناس مشاهد «الانسحاب المذل» لجيشها من ذلك البلد، وهناك حديث أمريكي أيضاً عن أن الانسحاب من أفغانستان يأتي في إطار الاستعداد للمعركة المقبلة مع الصين، وأن الإعلان عن حلف «أوكوس» بهدف محاصرة بحر الصين الجنوبي، بالتزامن مع بناء حلف «الكواد» العسكري الذي يضم إلى جانب الولايات المتحدة كلاً من أستراليا واليابان والهند، والذي بات يعرف باسم «الناتو الآسيوي» يؤكد أن الأولوية الفعلية لبايدن هي المجابهة مع الصين. ومع أن كلا الحلفين يعتبران حلقتين تصعيديتين ضد الصين، إلا أنهما يطلقان أيضاً سباقاً للتسلح الإقليمي على طرفي المحيطين الهندي والهادئ، كما هو الحال بالنسبة للكوريتين وصفقة الغواصات وصواريخ كروز الأسترالية.

لكن فرنسا والاتحاد الأوروبي لم يعودا يشاركان الولايات المتحدة هذه النظرة، على ما يبدو؛ إذ أكد جوزيف بوريل ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، أن مقاربة الاتحاد للعلاقات مع الصين تنطلق من ضرورة التعاون بدلاً من المواجهة، فيما ازدادت فرنسا قناعة بأن الموقف الأمريكي من خط أنابيب الغاز الروسي «السيل الشمالي» ثم الانسحاب من أفغانستان، وأخيراً صفقة الغواصات النووية مع أستراليا كلها عوامل باتت تفرض بقوة أهمية تبني سياسة خارجية مستقلة عن واشنطن، وبناء دفاع أوروبي مشترك بمعزل عن الولايات المتحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"