«كواد» والقلق الصيني

00:46 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لم يتوقف التحرك الأمريكي عن إنشاء تحالفات جديدة سعياً لإحداث خرق أو تغيير في خريطة التحالفات التقليدية يمكّن واشنطن من تحقيق أهدافها في البقاء متربعة على عرش قيادة الساحة الدولية، وحشد قوى دولية وإقليمية لمواجهة ما تعتبره «تهديدات» صينية، وتضييق الخناق على بكين عبر محاصرة بحرها الجنوبي.

فبعد أيام قليلة من الإعلان عن تحالف «أوكوس» الذي ضم إلى جانب الولايات المتحدة كلاًّ من أستراليا وبريطانيا، وهو ما اعتبره البعض حلفاً «أنجلوسكسونياً» خالصاً، وأثار غضب الحلفاء الأوروبيين التقليديين، خصوصاً فرنسا بعد إلغاء صفقة غواصاتها مع أستراليا واستبدالها بغواصات نووية أمريكية، تم تدشين تحالف جديد تحت اسم «كواد» أو ما بات يعرف باسم «الناتو الآسيوي» خلال قمة عقدت في البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي، وجمعت إلى جانب الرئيس بايدن زعماء كل من اليابان وأستراليا والهند.

ومن الواضح أن طبيعة الحلفين الجديدين هي أمنية عسكرية بالدرجة الأولى، على الرغم من حضور الاقتصاد وجائحة «كورونا» خلال مداولات تشكيل التحالفين، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة من جانب الصين، التي كانت تراقب محاولات تغيير الأوضاع القائمة في المحيطين الهندي والهادئ.

فخلال قمة «كواد» تعهد المجتمعون، في بيان مشترك، بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة، وتحظى فيها الحقوق السيادية لجميع الدول بالاحترام، وتتم فيها تسوية الخلافات سلمياً وطبقاً للقانون الدولي، مؤكدين أنهم «يدعمون حكم القانون، وحرية الملاحة والطيران، والحل السلمي للنزاعات، والقيم الديمقراطية، ووحدة أراضي الدول». لكن هذا بالذات ما أثار قلق الصين باعتباره يحمل رسالة واضحة تستهدف تحويل منطقة بحر الصين الجنوبي باسم «القانون وحرية الملاحة» إلى منطقة «حرة ومفتوحة» لجميع الدول، الأمر الذي تعتبره بكين تحدياً لنفوذها في المنطقة، ومحاولة أمريكية للسيطرة على بحرها الجنوبي.

لكن بكين ترى أيضاً أن ما تقوم به واشنطن من تحالفات وشراكات أمنية وعسكرية جديدة يهدف إلى التغطية على انسحابها الكارثي من أفغانستان، وانكفائها وتراجع دورها في الساحة الدولية، وحتى خسارتها عملياً للحرب التنافسية الاقتصادية والتجارية مع الصين. وهي تعتبر، في النهاية، أن واشنطن تسبح ضد تيار العصر وطموحات دول المنطقة، ولن تجد فيها من يدعمها، وأن مآل كل خطواتها إلى فشل محتوم.

وهناك من يرى من المراقبين أن التحالفات الجديدة بقيادة واشنطن سيكون لها تداعيات عالمية، فهي توجه أيضاً رسائل غير مباشرة إلى موسكو، التي تعتبر أن أستراليا دخلت ضمن الخطط الأمريكية، وأن إنشاء تحالفات دولية وإقليمية بين دول تعتبرها موسكو «معادية» لها أو «غير صديقة»، ولديها غواصات نووية، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ سيؤثر لا محالة على أمن روسيا ومصالحها، وبالتالي يدفع موسكو وبكين إلى تمتين تعاونهما الأمني والعسكري وشراكتهما الاستراتيجية في مواجهة واشنطن وحلفائها.

لكن الأسوأ من ذلك، هو استمرار تجاهل واشنطن لحلفائها التقليديين ومصالحهم، والدفع باتجاه تفكيك التحالفات القديمة، ما بات يثير أسئلة جدية حول مصير حلف «الناتو»، وما إذا كان «الناتو الآسيوي» سيشكل بديلاً له.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"