تنويع الصادرات العمود الفقري للتنمية الشاملة

22:04 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق *

الشائع في أدبيات التنمية أن النشاط الاقتصادي الزراعي يكون مهيمناً في المرحلة الأولى من مراحل التنمية الشاملة، والانتقال من هيمنة الزراعة إلى هيمنة النشاط الصناعي هو حجر الزاوية في مسيرة التنمية الشاملة، أما الانتقال من الهيمنة الصناعية إلى هيمنة الخدمات فيمثل المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل التنمية الشاملة بشقيها الاقتصادي والاجتماعي. وقد تجاوز الكثير من البلدان المرحلة الزراعية، وهي في المرحلة الراهنة في قلب المرحلة الصناعية. وقد وضع كثير من الدول، وبمساعدة من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعة، استراتيجيات لقطاع الصناعة. وكل من الدول المهتمة بالقطاع الصناعي مهتمة أيضاً بتنويع وتعقيد الصادرات. يقاس تنوع الصادرات بثلاثة مؤشرات رئيسية هي مؤشر تنوع الصادرات، والهامش الواسع، والهامش المكثف. وكلما كان المؤشر أكبر كان التنوع أقل. ونذكر في هذا السياق أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أطلق استراتيجية دبي الصناعية 2030 في شهر يونيو/ حزيران 2016.

ترتكز استراتيجية دبي الصناعية على خمسة أهداف رئيسية تشكل الأساس لمستقبل دبي الصناعي. وتهدف الاستراتيجية إلى زيادة إجمالي الناتج والقيمة المضافة لقطاع التصنيع، وتعزيز عمق المعرفة والابتكار، وجعل دبي منصة تصنيع مفضلة للشركات العالمية، وتعزيز التصنيع الصديق للبيئة والموفر للطاقة، وجعل دبي مركزًا لسوق المنتجات الإسلامية العالمية. كما حددت الاستراتيجية ستة قطاعات فرعية ذات أولوية: الفضاء، والبحرية، والألمنيوم والمعادن المصنعة، والأدوية والمعدات الطبية، والأغذية والمشروبات، والآلات والمعدات.

ويبدو أن على أصحاب الأبحاث من العاملين في صندوق النقد الدولي المهتمين بتنويع الصادرات بشكل عام وفي البلدان النامية على وجه الخصوص أن يعيدوا النظر في نتائج أبحاثهم السابقة. ففي بحث جديد يرى كونزالو ساليناس (Gonzalos Salinas ) أن سياسات التقارب والسياسات الأفقية هما العمود الفقري لتنويع الصادرات. لقراءة أكثر دقة، تقترح أبحاث موظفي الصندوق طرقاً جديدة لقياس تنوع وتعقيد الصادرات الوطنية، وتقترح كيف يمكن للسياسات على مستوى الاقتصاد أن تعزز هذا التنوع. يسمي الاقتصاديون هذه السياسات سياسات أفقية؛ لأنها تنطبق على نطاق واسع عبر بلد ما بدلاً من استهداف قطاعات فردية. كما أن سياسة الابتكار تهدف إلى زيادة عدد القدرات (السياسات الرأسية) أو إمكانية الجمع بين القدرات (السياسة الأفقية).

يقدم النهج الجديد دروساً لواضعي السياسات حول كيفية دعمهم بشكل أفضل للتجارة متعددة الأوجه، وهو هدف مشترك في الاقتصادات الناشئة والنامية؛ لأنه يرتبط بإنتاج اقتصادي أقل تقلباً وتوسع أسرع على المدى الطويل.

يؤكد النهج الجديد لشرح التنويع على الحاجة إلى تقصير المسافة الجغرافية بشكل فعال من خلال تعزيز الاتصال بين الدول. كما يُظهر البحث أن السياسات على مستوى الاقتصاد مثل الحوكمة والتعليم تساعد في تعزيز الصادرات المتنوعة أكثر من السياسات الصناعية ذات الأهداف الضيقة، وهو اكتشاف يمكن أن يوجه بشكل أفضل الدول التي تهدف إلى توسيع تجارتها الدولية.

كما أن منهجية الدراسة تبين وجود صلة واضحة بين الصادرات غير السلعية التي تساعد على التنويع والتعقيد وأربعة متغيرات على مستوى الاقتصاد تساعد في دعمها: الحوكمة، والتعليم، والبنية التحتية، والتجارة المفتوحة. يساعد تحسين هذه المجالات على التنويع من خلال تهيئة الظروف التي تجعل من الممكن تعزيز الصادرات المعقدة أو ذات القيمة المضافة الأعلى. وهذه نتيجة مهمة؛ لأن إظهار كيف تفسر السياسات على مستوى الاقتصاد التنويع يتحدى الاعتقاد بأن السياسات الصناعية، التي تهدف إلى دعم صناعات معينة، تقدم أفضل طريقة لتوسيع التجارة. وهذا أمر مهم لأن التوصيات من خبراء ومؤسسات دولية وإقليمية وباحثين من مراكز أبحاث بشأن تنويع الصادرات أكدت على استهداف قطاعات معينة. في ضوء ما تقدم يمكن أن يكون مناسباً إعادة النظر في خطط الارتقاء بقطاع الصناعة.

أدى عدم وجود صلة واضحة بين الأسس الاقتصادية العامة ومؤشرات تنويع الصادرات في الأدبيات إلى تغذية الاعتقاد بأن السياسات الصناعية شرط مطلق لتنويع الصادرات. ومع ذلك، تجد هذه الورقة ارتباطاً إحصائياً قوياً بين السياسات الأفقية والتنويع، من خلال إجراء تغييرين جديدين على المنهجيات التقليدية: استخدام فئات التصدير التي تؤدي إلى التنويع (على سبيل المثال، المصنوعات) كمتغيرات تابعة، واستخدام إعداد انحدار معادلة الجاذبية. يفسر القرب من الاقتصادات الأخرى حوالي ثلث عدم التجانس عبر البلدان في الصادرات المستهدفة، وأربعة أخماس جنباً إلى جنب مع السياسات الأفقية. تظهر أستراليا وتشيلي ونيوزيلندا كنماذج جديدة يحتذى بها لسياسات التنويع.

*مستشار اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"