كيف ستواجه أوروبا شتاء الطاقة القادم؟

20:31 مساء
قراءة 4 دقائق

خافيير فيفيس *

تهدف الصفقة الأوروبية الخضراء إلى تخفيض انبعاثات غاز الاحتباس الحراري إلى صافي صفر بحلول سنة 2050؛ وذلك من خلال إجراءات ليس أقلها إزالة الكربون من قطاع الطاقة، ولكن بينما تريد أوروبا أن تتبوأ دوراً قيادياً عالمياً في المعركة ضد التغير المناخي، يبقى السؤال ما إذا كانت أوروبا قادرة على تحقيق هدفها وبأي ثمن فالمهمة كبيرة جداً والعقبات شاقة.

قد أظهرت أزمة كوفيد-19 حجم التغييرات اللازمة لتخفيض استخدام الكربون بشكل كبير؛ إذ إن المستهلكين والسياسيين يريدون تجنب مثل تلك الصدمة من خلال التدرج في تأمين إمدادات مستقرة من الطاقة الخضراء الرخيصة، وإن السياسة الجيدة والتقدم التكنولوجي سوف يجعلان هذا الهدف في متناول اليد، ولكن حالياً هناك مقايضات.

نظراً لأنه يتوجب فرض ضرائب على الكربون بشكل كافٍ من أجل حساب العوامل الخارجية المناخية السلبية التي يولدها، فإن هذا يعني أن سعر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يجب أن يرتفع مما سوف يجعل الكهرباء أغلى، إن هذا الأمر إضافة إلى الزيادة في أسعار الغاز الطبيعي جعلا الأوروبيين يشهدون زيادة في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بأسعار الكهرباء بالجملة. تم التنبؤ سابقاً بالعواقب السياسية لهذا التطور في ثورة السترات الصفراء في فرنسا 2018-2019 والتي كانت رداً على زيادة محدودة فقط في ضرائب الوقود.

يتوجب على أوروبا استيراد معظم الغاز الطبيعي الذي تحتاج إليه، ولكن من أجل ضمان إمدادات مستقرة، فإنها تضع نفسها تحت رحمة بلدان مثل روسيا والجزائر والتي عادة ما تستخدم مواردها من الغاز لأغراض جيوسياسية، وتزود روسيا ثلث احتياجات أوروبا من الغاز، كما تقوم بالضغط من أجل تفعيل مشروع خط نورد ستريم 2، وهو خط أنابيب لنقل الإمدادات بشكل مباشر إلى إلمانيا متجاوزاً أوكرانيا، والذي يزيد الأمر سوءاً أن دولاً مثل ألمانيا أو إسبانيا خلافاً للاتحاد الأوروبي، هي من تتفاوض مع الموردين. إن روسيا التي تستغل هذه الديناميكية قد أظهرت مؤخراً أن بإمكانها التأثير بسعر الغاز من خلال حجب الإمدادات. لا شك في أن الصراع المحتدم حالياً بين الأولويات المناخية والطاقة الرخيصة الآمنة في ازدياد، فالدولة التي يوجد لديها احتياطات من الفحم تستطيع دائماً أن تستفيد من تلك الموارد لتأمين إمداداتها من الطاقة، ومن الأمثلة على ذلك ألمانيا التي يمثل توليد الكهرباء فيها عن طريق الفحم نحو 30% من إمدادات الطاقة، وهذا يعود لقرار الحكومة بالتخلص التدريجي من الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما في اليابان في عام 2011.

يتم تحديد السعر في سوق الكهرباء بالجملة في الاتحاد الأوروبي من خلال التكنولوجيا الأخيرة المتمثلة في ترتيب الجدارة للإمدادات، أو ما يعرف بتسلسل محطات الطاقة المفضلة. وعادةً ما يكون هذا التدبير الاحتياطي عبارة عن محطة توربينات ذات دورة مركبة أو منشأة كهرومائية، يمكن القول إن السوق هو عبارة عن تجمع يتم فيه تجميع جداول عرض المولدات ومواءمتها مع الطلب للحصول على السعر الذي يتم دفع أجر جميع الموردين بموجبه.

يتمثل الوضع المثالي في أن الإشارة المتعلقة بالسعر من سوق تنافسي، سوف تعطي الدلالة الصحيحة للاستثمار من المنتجين والاستهلاك من المستخدمين، ولكن في واقع الأمر، لا يمكن الاستفادة من بعض التقنيات المتطورة بشكل مجاني، مثل الطاقة النووية والطاقة المائية، ولا يستجيب المستخدمون بالضرورة للأسعار، كما أن هيكل العرض ليس تنافسياً ولكنه يعكس احتكار القلة.

هذه العوامل منفردة لا تعطينا سبباً للتخلص من التجمع، وعليه فإن السؤال المطروح الآن هو الكيفية التي يمكن من خلالها توفير الحوافز المناسبة للاستثمار، وخاصة في الطاقة المتجددة، وهنا فإن العقود طويلة المدى لتوفير الكهرباء ومزادات الشراء قد تلعب دوراً حاسماً في تحسين كيفية عمل التجمع والتخفيف من قوة السوق. ونظراً للتخفيضات الكبيرة في الكلفة خلال العقد الماضي، تعد الطاقة المتجددة تنافسية حالياً وسوف تزدهر طالما أن الوقود الأحفوري لا يحظى بالدعم.

لو أرادت أوروبا تحرير المعركة ضد التغير المناخي من التعقيدات السياسية لأمن الطاقة، سوف يتوجب عليها أولاً تحقيق مزيج طاقة متوازن في سوق متكامل، وهذا يعني أنها لا يمكن أن تتجاهل المساهمة المحتملة للتقنية النووية كما أشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. إضافة إلى ذلك، فإن من الضروري وجود سياسة طاقة أوروبية موحدة لشراء وتخزين الغاز، ومن الضروري أيضاً وجود استثمارات لتطوير تقنيات جديدة مثل التقاط الكربون والهيدروجين الأخضر، ولكن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يكون ساذجاً، فالتغير المناخي مشكلة عالمية، ولو تم تعويض تخفيضات الانبعاثات في أوروبا في أجزاء أخرى من العالم، فلن يكون هناك أي تقدم وسوف تصبح أوروبا في نهاية المطاف أقل قدرة على المنافسة وستكون هناك حاجة إلى ضريبة تعديل حدود الكربون من أجل التعامل مع هذا الشأن.

* أستاذ علم الاقتصاد بكلية IESE في جامعة نافارا

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ علم الاقتصاد بكلية IESE في جامعة نافارا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"