أرجوك توقف عن ادعاء المثالية

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

قد يستغرب البعض عندما يقرأ أنني أحذر من المثالية، أو أحذر من المبالغة في السعي نحو المثالية، أو أن يتجنب الأب والأم المبالغة في تربية طفلهما على الكمال والمثالية، لكن ما هي المثالية؟ 
عدد من العلماء في مجالات علم النفس أعطوا تعاريف متنوعة من بينها: السعي نحو الكمال وعدم الخطأ، أو عدم وجود العيوب، أو عدم وجود أي قصور أو شوائب، بمعنى تحقيق المنجزات بشكل متكامل. في العادة من يطلب تحقيق المثالية يضع نصب عينيه أهدافاً ومعايير وغايات ومتطلبات عالية جداً، ومن هنا يصاب بالإحباط والألم والأسى عند عدم تحقيقه لها، فيقع في حالة من التراجع أو حالة من التأجيل، فضلاً عن القلق والهم الذي يحيط به ويسيطر على تفكيره، وهنا تصبح المثالية والسعي نحوها عبئاً جسيماً، بل مهمة تشبه التوجه نحو المخاطر العالية، فهي عند عدم تحققها تجعل الإنسان بدون ثقة بنفسه ولا قدراته ولا مهاراته.
وقد تحّدث عدد من العلماء المختصين عن جوانب سلبية قد تقع عند الركض نحو سراب المثالية، منها الإحباط والتوتر والمخاوف غير الطبيعية من الفشل والهزيمة، وهذا يعني نقد النفس والذات بشكل متكرر ودائم ومستمر حتى يحطم الإنسان نفسه دون أن يشعر. كما أن السعي نحو المثالية بشكل غير مدروس وغير منضبط وغير دقيق،وهذه مفارقة غريبة، يعني أن يهدر الإنسان الكثير من الفرص الثمينة، لأنه سيتجنب أية تجربة أو أي مشروع جديد، خوفاً من الفشل أو عدم إتقانه وإنجازه بالشكل المثالي، وهنا تصبح المثالية عبئاً وثقلاً وسبباً للفشل والتراجع وليس التقدم والنجاح، كما هو مأمول منها. لذا تم رصد البعض ممن حاولوا ويعملون على أن يكونوا مثاليين في عملهم وفي كل يقدمونه من منجزات، دخلوا في حالة من التأجيل والتسويف، بينما الذي بين أيديهم مهام مهمة وأعمال حيوية تتطلب عملاً جاداً ومتقناً لا أكثر، لكن من يسعى نحو المثالية المطلقة لا يرضى إلا بما هو أعلى، وهذه حالة مرضية فعلاً، لأن صاحبها سبب لنفسه التوتر والقلق والهم. وكما قال الفيلسوف والمؤلف إميل سيوران: «أرجوك توقف عن ادِّعاء المثالية، لو كنت فعلاً بهذه الروعة، فتوقّف عن الحياة، لأنَّ هذا المكان ليس لك».
[email protected]
 www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"