عادي
عدّوه إنجازاً يخلّد لغة الضاد ويحفظ مفردات قاموسها الثري

رؤساء المجامع يشيدون بمشروع «المعجم التاريخي للغة العربية»

02:48 صباحا
قراءة 11 دقيقة
سلطان في حديث مع رؤساء مجامع اللغة العربية
الشارقة:«الخليج»
أكد رؤساء مجامع اللغة العربية وعلماء لغة الضاد من الوطن العربي، القيمة العلمية التي يمثلها مشروع المعجم التّاريخي للغة العربيّة، الذي يشرف على إنجازه مجمع اللغة العربية بالشارقة، الذي أطلق صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مجلداته الأولى خلال حفل افتتاح الدورة الـ40 من معرض الشارقة الدولي للكتاب في مركز «إكسبو» الشارقة.
بيّن رؤساء مجامع اللغة العربية وعلماء لغة الضاد من الوطن العربي أن المعجم الذي يؤصل لتاريخ الألفاظ العربية وجذورها ومعانيها وتطور دلالاتها عبر العصور، يمثل مرجعاً غنياً يثري المكتبة اللغوية العربية ويفيد الطلاب والأكاديميين والدارسين، ويسهم في حفظ الذّاكرة اللغوية العربيّة عبر التوثيق المنهجي للنصوص والأشعار والشواهد، اعتماداً على أهم المصادر والمراجع التي تكشف عن تاريخ اللغة العربيّة وقيمتها الحضارية عبر العصور.وعبروا عن امتنانهم لصاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، لاهتمامه بدعم هذا المشروع المعجمي الكبير، الذي يجسد رؤية وتوجه إمارة الشارقة نحو بناء مشروع حضاري يرتكز على حماية تراث اللغة العربية والجذور الثقافية لهوية الأمة.
وعن صدور الأجزاء الـ17 الأولى من المعجم، قال الدكتور محمد محمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربيّة بالشارقة، والمدير التنفيذي للمعجم التاريخي: «بعد جهد جهيد، وعملٍ منظّم رشيد، ها هي ذي الأجزاء الأولى من المعجم التاريخي تُطلُّ على العرب، وتُشرقُ على العالمين من الشارقة. إنّ المنجزات العظيمة يقودُها العظماء، وإنّ الجوائز السّنيّة تنالها العقولُ الذّكّيّة والكواهل القويّة والإرادات الفولاذيّة، وما نحن أمامه اليوم هو ترجمة لهذا الكلام».
وأضاف «إنّ المتتبّع للشأن العربي بشكل عام، وللثقافة العربيّة بشكل خاص، يُدرك قيمة المشروع وعظمة المنجز، وأهميّة هذا المعجم. إنّه ليس معجماً عادياً يشرح ألفاظ اللغة العربيّة ويعطي أنواعاً من الأمثلة لتقريب معاني الألفاظ كما هو الشأن بالنسبة للمعاجم العامّة والمختصّة، وإنّما هو معجم يحفرُ في التاريخ، يُنقّبُ في ذاكرة الأمّة العربيّة الإسلاميّة، وينبش في التّراث العظيم الرّصين الذي جادت به العقول العربيّة. إنّ المعجم التّاريخي للغة العربيّة سِجِلٌّ حافلٌ بجميع مفردات اللغة – قدر المستطاع والجهد البشري- التي استعملها العرب قديماً، ويستعملها الكتّاب والمثقفون والمتكلّمون باللسان العربي حديثاً. سِجِلٌّ يؤرّخ للفظ العربي منذ ما يزيد على سبعة عشر قرناً من الزّمن، بل يتعرّض إلى ذكر النّظائر السّامية للّفظ العربيّ، وبيان كيفية وروده، وموضع وروده، بل ويبحث في النّقوش القديمة العادية والثموديّة والصفويّة الضـــــاربة فـــــي أعماق التّاريخ، وفي النقوش التي كتبت بالمسند الجنوبي وغيرهم». وتابع: «يحرص المعجم على جلب اللّفظ في سياقه الذي ورد فيه في عصر ما قبل الإسلام، أي على ألسنة الشعراء الجاهليين، مروراً بعصر التّنوير الحقيقي، حيث استنارت المعمورة فيه بكلمة الله الخاتمة، حيث يتتبّع المحررون اللّفظ فــي النص القرآني المعجــــز، والحديث النّبويّ الشريف، مروراً بالشعر الأموي، فالعباسي إلى العصر الحديث، يرصدون حركة الألفاظ وتطوّر المصطلحات وغير ذلك ممّا هو معروف ومعهود لدى أهل التّخصص من المعجميين واللسانيين. وعلى الرّغم من أنّ المقام ليس مخصّصاً لشرح ماهية المعجم التاريخي، والأسس التي يقوم عليها، والخصائص والميزات التي تميّزه عن غيره من المعاجم، إلاّ أنّ الإنصاف يدعو، والحقّ يقتضي أن تقال كلمة في كيفيّة صناعة هذا المولود العربي الذي هو اليوم مبعث سرور الكبير والصغير، والمثقف والعاميّ، والعالم والأكاديمي».
وأضاف الدكتور المستغانمي: «نشير إلى أنّ المعجم التاريخي للغة العربية الذي نتحدّث عنه اليوم، هو نتاج عمل مُضنٍ منظّم دؤوب مشترك قام بين مؤسّستين: أولاهما اتّحاد المجامع اللغوية العلمية العربيّة الذي تنضوي تحته جميع المجامع اللغوية في وطننا العربي الفسيح، وهذا ما يمنح لهذا المنجز اللغوي قيمته وصدقيّته العلمية والثقافيّة والشعوريّة، والمؤسسة الثانية هي مجمع اللغة العربية بالشارقة الذي يشرف عليه إشرافاً مباشراً تخطيطاً وتوجيهاً ورعايةً صاحب السموّ الحاكم الثّقف، العالم المؤرّخ ذو التصانيف المتنوّعة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي».
وأكد «ليس هذا الصّنيع بأوّل مفاخر الشارقة، ولا آخر إنجازاتها الفارقة السامقة الباسقة، إذ الكلّ يعلمون، الغادي والبادي، والشارد والوارد، والقاصي والدّاني، والعربيّ والعجميّ، أنّ الشارقة إمارة الثقافة والمعرفة، وإمارة الشعر والمسرح، ودار الفنون، وموئل العلماء ومحجّة أهل الأدب، ومأوى الشعراء وأرباب البيان، وأنّ حاكمها صاحبُ مشروع حضاريّ ثقافي. منذ أن تولّى زمام أمور هذه الإمارة الباسمة أي قبل خمسين عاماً، آلى على نفسه أن يرفع لواء العلم، وراية الثقافة، وأن ينشر أعلام المعارف وأنواع الفنون في كل زاوية من زواياها، وكل ركن من أركانها؛ فأحسن الغرس، وأطاب الله الثمار فجاءت يانعة، حلوة المذاق، نضرة طريّة، بهيّة المنظر، تُدخل السرور إلى النّفوس، والبهجة إلى القلوب».
وأضاف: «ليس ما ترونه بدعاً من الأمر، ولا ضرباً من المنتج العشوائي، ولا مبالغةً في القول، وإنّما دليل على العزم والإرادة والتّخطيط للسير بخطى وئيدة وثابتة في بناء حضارة المعرفة ودولة الثقافة، وقد نجح سلطان القاسمي ودخل القلوب بدون استئذان، ودخلت معه الثقافة في كل وجدان، وأصبح اسمه في العالمين العربي والإسلامي مرادفاً للثقافة والمعرفة، وحسبُه في صحيفة أعماله هذا، بعد إيمانه بالله ورسوله، ولا نزكّي على الله أحداً، وإنّما هذا وصف لواقع، ونعتٌ لحاضر، وليس مَن رأى كمن سمع».
همّةٌ عالِيَة
وقال الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية والعلمية، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة «ظَلَّ المَشْروعُ يُراوِح مَكانَهُ عَشرات السّنين، إلى أنْ امْتَدّت إليه همّةٌ عالِيَة وَإرادةٌ سامِيَة، وَيَدٌ سَخِيّةٌ سابِغَةُ الكرَمِ فَائِقَةُ الجودِ، وَهِيَ يَدُ الشّيخِ العالِمِ الدّكتور سلطان القاسِمي، الذي تَبَنّى هذا المَشروع الاستراتيجيّ لجَمْعِ اللغَة العَربيّة مِن كلّ مَصادرِ العلم العَرَبيّة الإسلامِيّة مُنْذُ جَمْعِها القديمِ إلى أَحْدَثِ ما تُنْتِجُهُ المطابع العربية من الشّعر والنّثر والآداب والفُنونِ والعلومِ، وهوَ - بهذا الشّمول - يُعَدُّ الجَمْعَ الأكْبرَ للغةِ العَربيّة في تاريخِها الطّويل العَريق، واقتَضى ذلك وَضَعَ مَنْهج دَقيق خَضَعَ لأكْبَرِ قَدْرٍ مِنَ التّمحيصِ والمراجعة، وَخَضَعَ لمناقَشاتٍ مُطوّلة حتّى اسْتَقرَّ أمْرُه، ثمّ تَكوّنت اللِّجانُ التي سَتَنْهضُ بتنفيذِهِ في عَدَدٍ منَ المَجامِعِ اللغويّة بإشرافِ اتّحادِ المَجامعِ اللغويّة العَربيّة. وانْضمَّ إلى هَذه اللجان ما يُقارِب ثَلاثمِئة مِن العُلماء والخُبراء والباحثين اللّغويين المُتخصّصين وكانَ لِمَجمَعِ الشّارقة - بِتَوجيه من صاحِب السّموّ الشّيخ الدّكتور سُلطان - جهوده المُوفّقة في الإدارة والإشْراف فَضْلًا عَن الإنْفاق الكريم». وأضاف «ظهرت بواكير هذا العمل سامقة شامخة إلى الوجود في نوفمبر 2020 متمثلةً في ثمانٍ من المجلّدات في طبعة تجريبيّة خَضَعَت للتّمحيص والتّدقيق. وها هيَ تَخْرجُ إلى الوُجودِ في طَبْعَةٍ محقّقة مَصحوبَةً -في هذا العام (2021)- في سبعة عشر جزءاً، والفضل -في هذا كلّه- لله تَعالى الذي هدى ووفّقَ وأعان، ثمّ لهذه الرّعاية الشّاملة للمُعْجَم من سموّّ الشّيخ الدّكتور سلطان القاسمِيّ، ثُمَّ لجهود العُلماءِ والباحثين».
أسس مستقبلية
وأشار الدكتور صلاح فضل، رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، إلى أن هذا المشروع العملاق لا يقتصر على احتضان التراث ولا تحليل المراحل الماضية من تاريخ اللغة العربية، بقدر ما يضع الأسس المستقبلية لمتابعة هذا الجهد الجبار في ملاحقة التطورات التي تؤذن بها ثورة المعلومات لإثراء العربية بكل ثمار التطور الحضاري القادم، بالتعاون مع كل المجامع العربية في جهودها الحثيثة، بما يضع لغة الضاد في سباق مع لغات العالم الحيّة لتصبح مرة أخرى لغة العلم والفن والجمال.
وقال: «إن هذا العمل كان يشغل فكر الرواد من كبار علماء العربية وآدابها منذ تسعين عاماً، حتى قيض الله لهذه الأمة من عقد العزم على رعاية إنجاز المعجم وحشد له طاقات العلماء من كل الأجيال والأقاليم العربية، فأحدث نقلة نوعية كبرى في العمل بتجاوز المرحلة اليدوية التي كان يتعثر فيها، وأفاد بالثورة الرقمية الحديثة فاختزل المراحل وظفرت العربية في وقت قياسي وبجهد أبناء الوطن كلهم بهذه المجلدات المحكمة من حلمهم القديم».
عقل الأمة
أما الدكتور عبدالله الوشمي، الأمين العام لمجمع الملك سلمان، فأشار إلى أن المعاجم تمثل عقل الأمة ومخزنها العميق في الفكر والثقافة والنمو الاجتماعي، وذلك بما تملكه اللغة من عمق ورصد للحياة ومستجداتها، وقدرة على كشف ما ينبض به المجتمع والشعر والأمثال والحكم من مفردات ومعان. وقال «إن المعجم التاريخي للغة العربية يحقق حلماً تعايش معه اللغويون والمهتمون باللغة العربية زمناً طويلاً، حتى قيض الله له الرؤية الطموحة والوعي العميق، وذلك بجهود صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ليقود هذا المشروع العلمي الذي نهض إليه علماء وباحثون وفرق علمية، واستطاع برؤية رشيدة أن يرعى الخطة العلمية التي تصدّت لضخامة التأليف باللغة العربية، وتنوع مصادرها، وتفاوت الرؤى بين المؤسسات والفرق العلمية، إضافة إلى التكلفة المالية التي لا يقوم هذا المشروع وأمثاله إلا بها».
وأكد الدكتور الوشمي أن هذا المشروع القيم الذي يعدّ فتحاً عربياً نوعياً يضاف إلى الجهود النبيلة للمؤسسات والعلماء الذي يعملون في هذا الحقل، ويتواكب مع مجمل الجهود الكبرى التي تنهض بها الشارقة في كل حقل علمي ومجال معرفي، وهو الآن بحلته الجديدة وأجزائه الأولى يضع التحدي الكبير أمام العاملين فيه ليكملوا المسيرة، ويتعاظم الأثر، وتتوالى البرامج والأنشطة لنصل إلى الرؤية التي تتحقق فيها الآمال.
حلم الأُمة
وقال الدكتور محمد حسين آل ياسين، مدير المجمع العلمي العراقي: «تحقّق اليوم حلم الأُمة القديم المتجدّد بالمعجم التّاريخيّ للغة العربيّة، الذي انتظرته أجيال الباحثين وطُلاّب اللغة وشُداة العربيّة، ليسدَّ نقصاً جوهريّاً في المكتبة اللغويّة، ولم يسد هذا الفراغ المعجمي زمناً طويلاً، لصعوبة وضعه بجهد مؤلف واحد، بل يُعَسر وضعه بجهد مجموعة من المؤلفين، على الرغم من طول باع العرب في وضع المعجمات منذ عهدٍ مبكّر. وتعدّد مناهج هذه المعجمات في الجمع والترتيب والتبويب. حتى إنَّ معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (100-175هـ)، الذي هو أول المعجمات ظهوراً في العربيّة، كان - في الوقت نفسه - أول المعجمات في العالم، إذا أخذنا بالمعنى الاصطلاحي الدّقيق من حيث إن المعجم كتاب يتصدّى لإحصاء مفردات اللغة التي يوضع فيها، ولم يكن للأمم قبله معجم جامع لألفاظ لغاتها». وأضاف: «لم ينقطع الكلام على ضرورة العمل على وضع معجم تاريخيّ للعربيّة يُعنى بالرّصد الطّوليّ المتسلسل للاستعمال اللغويّ وكشف التّطور الدّلاليّ للكلمة عصرًا بعد عصر مستنِداً إلى شواهد الشّعر والنّثر، ليضع أمام الباحثين صورةً متكاملة لحياة الكلمة منذ ولادتها حتى وصولها إلينا، واقفين على تطوّر الدّلالة وتنوّعها واختلافها وتضادّها أحياناً، في كل مفردةٍ من مفردات عربيتنا الغنيَّة، ويتخلَّل ذلك كله اقتراح المنهج وترتيب المواد وتبويبها وتقسيمها وكل ما يتّصل بعمل وضع المعجم وشؤون تصنيفه لدى الباحثين المتطلّعين إلى ظهور المعجم التّاريخيّ».
وعن صدور الأجزاء الأولى من المعجم قال: «أما وقد ظهرت الأجزاءُ الأولى من المعجم المنتظر، الذي سيغيّر أشياء كثيرة في عالم الدّلالة، حين يقدّم لها المعنى الذي كانت تنصرف إليه الكلمة في أول إطلاقها وما طرأ عليه بعد ذلك الزّمن من تطوّر فباتت تنصرف إلى معنى جديد، وهكذا في مسيرتها التي تشير إلى أنها تدل على غير معناها المعروف اليوم وسوف تتغيّر آراء ومواقف واجتهادات واستنتاجات كانت قد بُنِيَت على أن المعنى واحد في الكلمة عبر العصور، ثم يتضّح الآن من المعجم التّاريخيّ أنها لم تكن كذلك حين نَطَقَ بها الشّاعر واستخدمها الخطيب أو الكاتب في عصره».
نهضة العربية
وعن الفائدة المرجوّة من المعجم التاريخي للغة العربية، أكد الدكتور محمد السعودي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية الأردني، أن المعجم يسهم في نهضة العربية ومستقبلها، لجمعه بين الدّلالة المعجمية وتطوّرها على أزمنة متواصلة من مظانها، لكشف عمق ثقافة أمتنا وحضارتها، وأصالة اللفظة فيها وتدرجها، فهو ليس معجماً لغويًّا انتظرته الأجيال منذ فجر الأمّة فقط بل روح هذه الأمة ووجودها وغدها.
وقال: «ما كان لهذا العمل أن يكون بين أيدينا اليوم لولا قناعة صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بالمشاريع الثقافية والفكرية للأمة وأصالتها، وإيمانه بهذا الركن المتين في الحفاظ على لغة القرآن الكريم والحديث الشريف وحوسبتها في مستقبل الأيام ببرامج تنير دروبها الجديدة، ولا أنسى جهود اتّحاد المجامع العربية ومجمع اللغة العربية في الشارقة خاصّة، فالتقدير كله للقائمين على عمله من علماء وخبراء ومحررين وفنيين».
نقلة حضاريّة
وأشاد الدكتور صالح بلعيد، المقرّر العامّ للفريق الجزائري في المعجم التّاريخي للّغة العربيّة بهذا الإنجاز، وتوجه بالشكر باسم الفريق الجزائريّ إلى صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقال: «نرفع لشخصكم الكريم آيات العرفان والتّقدير لما تُقدّمونه للّغة العربيّة في جميع مجالاتها، ووجدناكم تحملون هموم الأمّة العربيّة بمكامن الاجتهاد لتمكين النّهوض من جديد، وبما تُولونه من تعاون وأفعال لنقلة حضاريّة عربيّة كبرى يشهد لها الجاحد، بلهَ الحديث عن المنصف النّزيه الذي لا يرى فيكم إلاّ باعث نهضة عربيّة بِوَسْم معاني العلميّة والرّجولة والشّهامة وخدمة الأمّة العربيّة في قضاياها المصيريّة، وأنتم الشّخص الذي اشترى وما باع، اشترى الحكمة من (آل القاسمي) فظهرت في حَكامتكم وحوْكمتكم وفي أصالتكم التي تغلّبت على التّحدّيات الكبرى؛ بتحويل الحُلم إلى مُنجز، وظهر ذلك في جملة مشاريع عربيّة كانت مُؤجّلةً مُعطّلة، ومن فضلكم وُلد الخير الذي يشهد على ميلاد العهد الجديد، من حاكم الشّارقة التّليد».
وأضاف: «إنّ إنجاز المعجم التّاريخي للّغة العربيّة من الأولويات، وهو قاعدة اللزوميات، وبدونه لا يحصل لنا المقام، ونبقى نعيش في غير المحال، وتغيب عنّا أركان المعرفة التي تقوم على كتب الصّحاح، وفكر أستاذ فتّاح، وعقل عالم رجّاح، ومسيّر ناجح مفتاح، وكلّ هذا يأتي من منتجي الأفكار الذي يحتاجون إلى صاحب القرار. وها نحن في ذات الموقف الذي يحتاج إلى تعاضد أفكار المثقّف والمقرّر، ونحن نعيش منعطفات تاريخيّة قاسيّة إجباريّة لمواصلة الطّريق الذي صنعته أقدام السّابقين، وسننتصر برأس مالِنا؛ وهو العمل والإخلاص، سننجح بعظم هذا المنجز الحُلم الذي أصبح حقيقةً بفضل كلّ العلماء المثابرين المرابضين وراء النّبش والحفر في الماضي والحاضر لمعرفة المعنى، وتثبيت الرّواية، وتحقيق الشّاهد، ولا بدّ من مواصلة الدّرب، وخوض الصّعاب».
حفّز الهمم
أما الدكتور محمد شندول، رئيس لجان التحرير المعجمي التونسية، فأشار إلى أنّ صاحب السموّ حاكم الشارقة، حفّز همم العلماء كي تضع العربية هذا الحَمْل الثقيل، فتكفَّلَ سنة 2006 بالإنفاق على هذا الحمل وجعل منه مشروع القرن، وأنْشَأ سنة 2016 مجمع اللغة العربية بالشارقة لمتابعة إنجاز المعجم، وأذن سنة 2019 بالشروع في التحرير بعد أنّ هيّأ لذلك كل الأسباب، فانطلقت لجان التحرير في العمل على إنجاز هذا المعجم الوليد الذي قلّ نظيره قيمةً وحجماً وجمالَ إخراجٍ في العالم بأسره، حيث استعدّ له نخبة من العلماء والباحثين، وحقّقوا ما طمح إليه المخلصون من أبناء الأمّه.
مشروع قومي
وسجل الدكتور الخليل النحوي، رئيس مجلس اللسان بموريتانيا انطباعه بقوله: «إن شمس المعجم التاريخي للغة العربية أشرقت من سماء الشارقة، وها هي ذي ترتفع رويداً رويداً، بعد ليل طويل، لافتاً إلى أن رهان الشارقة الناجح على قدرات الأمة جعل المعجم مشروعاً قومياً شارك فيه باحثون ومحققون ومدققون من كل الأقطار العربية، لترتق المنفتق في الزمان وتصل المنفصل في المكان». وقال إن المعجم التاريخي لسيدة اللغات عتاقة وعراقة وسموّاً وامتداداً كان مجرد فكرة حالمة، لم تكد تتنزل في الطروس إلا قليلاً، حتى قيض اللـه لها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
استشهاد بالدرر
وأوضح الدكتور محمود أحمد السيد، نائب رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، أن فــــي محـــــتوى المعجم التاريخي للغة العربية إحياء لمفرداتهــــا ومعانيها، ودقة في التعبير عن تبيان مسيرة بنات أفكارها وهي تنتقل من عصرٍ إلى آخر، واستشهاد بدرر ما ورد في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وفي الأدب شعره ونثره.
ولفت إلى أن أنظار المجامع العلمية اللغوية اتجهت إلى ولادة هذا المشروع الرائد الذي يسدّ فراغاً كبيراً في صرح ثقافتنا العربية ولغتها الموحِّدة والموحَّدة، وأن هذا المشروع لم يكن ليرى النور لولا الهمة العالية التي تحلى بها حاكم الشارقة المثقف الذي صمم على إنفاذ ما عهدت أمته إليه إشرافاً وتنفيذاً وإخراجاً.
سبيل قويم
فيما قال الدكتور عبد الفتاح الحجمري، مدير مكتب تنسيق التعريب (الألكسو): إن الحاجة إلى استكمال إعداد المعجم التاريخي للغة العربية بإشراف مجمع اللغة العربية بالشارقة، وتحت مظلة اتّحاد المجامع اللغوية العربية، يكتسب الأهمية، لأن هذا المعجم لا يعرف بماضي العربية وذخيرتها اللغوية فَحسب، وإنما يعد سبيلاً قويماً لمعرفة مُستقبل نموّها وتطورها، لأن اللغة التي لا تَتطور تصبح وشِيكة من الموت والاندثار.
تغييرات لغوية
وأكد الباحث مأمون وجيه، المدير العلمي للمعجم التاريخي للغة العربية، أن المعجم مشروع لغوي حضاري انطلق قطار العمل فيه دون توقف، وأن الاحتفاء بقطوف هذا الإنجاز يتمثل في إصدار بواكير الطبعة الأولى لهذا السجل اللغوي الفريد الذي يحكي قصة اللغة، ويؤرخ ميلاد مفرداتها، ويكشف النقاب عن شجرة النسب اللغوية لكل كلمة مُـفسِّـراً ما طرأ من تغييرات لغوية اقتضت تطور الأصول وتفرعها عبر العصور.
وأوضح أن ظهور بواكير الطبعة الأولى من المعجم يبقيه محفوراً في ذاكرة أمتنا ومنقوشاً في سجل خالدات مآثرها شاهداً على إبداع العقل العربي وتميزه وتألقه في الصنعة المعجمية، وأن هذا الإنجاز العبقري سيبقى أبد الآباد مَـعْلَماً من معالم التاريخ العربي، وواسِـطَةَ عقدِ فرائده اللغوية، وترنيمةً ملحمية أبدية سينشدها الدهر، وتتلوها الليالي والأيام، وتتفاخر بها الأجيال.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"