محمد عبدالله البريكي
المعجم التاريخي معجزة اللغة العربية، ومجمع حمولتها الشعرية، فقد أدرك النقاد والبلاغيون العرب في هذا العصر الأهمية القصوى لهذا المشروع الذي حظي برعاية ودعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي بفضل رؤاه الحكيمة تستعيد الأمة العربية ذاكرتها الحضارية، وقوة وثراء مفرداتها التي لا تزال تدوي في الأذهان، فنحن الآن أمام إنجاز علمي ضخم لا يمكن قياسه بالجهود السابقة في الحياة الأدبية، نظراً لأن فكرته نابعة من غيرة على مقدرات اللغة العربية ومكانتها منذ 17 قرناً من الزمان، ومدى حفاوتها بالشعر ولغته التصويرية، وتراكماته في الحياة التخيلية، ومدى قدرته على تلخيص ما تبوح به البلاغة من عبق وجمال، فالتأريخ للحضارة العربية يحتاج إلى مجهودات تفوق طاقة الباحثين، لكن مشروع المعجم اختصر الزمن، وحفظ للأجيال ثروة الإبداع العربي، بكل تراكيبه الأدبية وأساليبه الإنشائية والبلاغية، ومحاكاته لكل صنوف الطبيعة بكل ما توحي به من تأمل وتأويل ومجاز خارق للعادة، حيث اختزل تاريخ المفردة العربية وتطورها طيلة عقود ازدهرت فيها العربية وازدهر فيها الشعر بشعرائه الذين أجزلوا العطاء، فطوروا اللغة وحملوها إلى آفاق التجديد، وبعثوا فيها روحاً مغايرة.
ستظل الجهود التي وحدها مشروع المعجم التاريخي مضرب الأمثال في كل زمان عبر تشكيلة بارعة من اللغويين والباحثين في المجامع العربية التي توحدت تحت رايته، ليتم اختصار الزمن كخطوة فارقة في تاريخ العربية، وما تحتويه من كنوز ضخمة وإمكانات كبيرة.
وما من شك في أن ما وجه به صاحب السمو حاكم الشارقة من أجل إتمام هذا المشروع يبرز نوايا سموه الصادقة للحفاظ على تراث الأمة الإبداعي بشكل علمي توثيقي وبحثي لا تشوبه شائبة، فمعروف عن سموه حبه للغة العربية وآدابها، وغيرته على لغة الضاد من الضياع، وهذا التوجيه المحمود فتح الآفاق أمام كل اللجان التي تشكلت من 9 دول لكي يصبح هذا المشروع حقيقياً بجدواه، ومكتملاً من ناحيه التميز والفاعلية، فالأمر ليس مجرد تجريب في ما أنتجته العربية عبر تلك العصور من ثراء بالغ في المحصلة اللغوية، لكنه يقين راسخ بأنه من حق الأجيال القادمة أن تنعم بظل اللغة وشعلتها المتوهجة، ما يعزز قيمة الثقافة العربية ودور الحضارة الإسلامية في الحفاظ على لغة الضاد وتطورها، وبنائها على أسس حضارية، لتكتمل منظومة فكرية تمثل اليوم تحولاً جذرياً في هذه الثقافة العريقة وجذورها الراسخة في الأرض العربية.
لقد عشنا تفاصيل كثيرة مع هذا الحلم الضخم، لكننا فرحنا كثيراً بالإنجاز الذي وصلنا إليه بفضل صاحب السمو حاكم الشارقة الذي على يديه يكتب تاريخ جديد للعربية وسجلها الزاخر بالأهرامات الشعرية والشامخة، وهو ما يشعرنا بأن اللغة العربية لن تغيض بفضل حماتها الذين يسهرون من أجل الدفاع عنها، وهو ما يكشف الوجه المضيء للشارقة التي تزدان بالثقافة العربية والإسلامية، وتمضي قدماً نحو الإنجازات التي تنهض بالمفردة العربية وتفاصيلها الشعرية العربية أيضاً لتتحقق الأهداف النابغة، وتصل إلى جذوة النضوج، فكل الشكر والعرفان لصاحب السمو حاكم الشارقة على كل ما يقدمه للغة العربية التي تظل النموذج الأمثل في حفظ اللسان العربي في أبهى السياقات المستقبلية المشرقة.
[email protected]