عادي

أفغانستان.. بين أنياب المجاعة والعقوبات

22:34 مساء
الصورة

كتب - بنيمين زرزور:
فرض الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واقعاً مريراً على سكانها بغض النظر عن ويلات الحرب؛ حيث فقد الشعب الأفغاني الفقير ميزة المساعدات السهلة التي كانت تصل إليه تحت رعاية الأمريكيين، وتمت الاستعاضة عنها بعقوبات اقتصادية ضد النظام الذي تقوده حركة طالبان، ما سد كل منافذ الأمل بالحصول حتى على وجبة يومية واحدة للأسرة.

كان طبيعياً أن تتبدل الصورة الاقتصادية كلياً منذ أن استولت طالبان على السلطة؛ حيث تبخرت فرص العمل حتى في الأرياف، وارتفعت الأسعار، وغادر كثير من الناس البلاد.

ومع حلول فصل الشتاء، تحتاج الأسر الأفغانية إلى ما هو أكثر أهمية ربما من لقمة العيش؛ حيث تصل درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر وسط أراضٍ قاحلة، لتبدأ رحلة البحث عن مواد التدفئة، لضمان الإفلات من الموت برداً.

وتسببت مخاوف المجتمع الدولي من طالبان في اتخاذ إجراءات احترازية جديدة ضدها؛ حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض قادتها، بينما تتفاوت مواقف دول العالم بين التردد والتصلب، لتبقى العقوبات سيفاً على رقاب فقراء البلاد، بينما تبقى المساعدات رهناً بمماحكات المصالح السياسية لهذه الدولة العظمى أو تلك.

الجوع

وتقدر الأمم المتحدة أن ما يقرب من 23 مليون أفغاني - نحو 55 في المئة من السكان - يواجهون مستويات شديدة من الجوع، مع تعرض ما يقرب من 9 ملايين لخطر المجاعة مع حلول فصل الشتاء.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: إن العقوبات الاقتصادية المفروضة على أفغانستان تثير السخط، وتسبب معاناة شديدة في البلاد. وجاء على لسان أحد المسؤولين في اللجنة أن صور الأطفال الذين يعانون الفقر تثير الرعب حقاً، وقال: «عندما تكون في جناح الأطفال بأكبر مستشفى في قندهار، وتنظر إلى عيون الأطفال الجائعين والوجوه اليائسة للآباء القلقين، فإنك تشعر بالغضب».

وبعد أشهر من الجفاف الشديد، وعقود من الحرب التي أجبرت الكثيرين على الفرار من منازلهم إلى مناطق مستقرة نسبياً، بدأ الأفغان يدخلون المجهول.

يقول مسؤولو طالبان إنهم على دراية بالمشاكل التي يواجهها الفقراء، والتي يقولون إنها تنبع جزئياً من آثار أكثر من أربعة عقود من الصراع وسوء الإدارة في ظل الحكومة السابقة. كما دعوا واشنطن مراراً إلى الإفراج عن نحو 9 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني محتجزة من قبل الإدارة الأمريكية.

وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد: «نعتزم تخفيف هذه المشاكل»، «نحن نعلم ما الذي يواجهه الناس».

شروط مقابل المساعدات

بينما يحاول المجتمع الدولي ضخ المساعدات مجدداً، فإنه يستمر في الضغط على طالبان، لتصبح أكثر شمولاً، وتضمن حقوق الإنسان الأساسية بما في ذلك رفع القيود التي تمنع النساء والفتيات من الدراسة والعمل.

وقال مجاهد: إن الحكومة الجديدة فتحت بعض المدارس للفتيات، ووعد بالعفو عن المسؤولين الحكوميين السابقين. كما أشار إلى تعيين عبد اللطيف نظاري، وهو محاضر جامعي من أقلية الهزارة، نائباً لوزير الاقتصاد كدليل على أن الحكومة أصبحت أكثر شمولاً.

وطالب كبار مسؤولي حركة طالبان، بمساعدات دولية، لمواجهة أزمة اقتصادية متفاقمة أثارت مخاوف من موجات مهاجرين جديدة من أفغانستان.

ويراوح مستوى الدخل اليومي لشريحة كبيرة من عمال المياومة ما بين 30-50 أفغانياً (0.30 دولار)؛ حيث اعتادت هذه الشريحة على استلاف ما تحتاج إليه من المتاجر أو الخبازين وتسديد ما عليها بعد شهرين أو ثلاثة أشهر عندما تتحسن ظروف سوق العمل.

وتراجعت العملة الأفغانية إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار، وقد فقدت 30% من قيمتها خلال أسبوع واحد في ظل الانهيار الاقتصادي.

وتعاني أفغانستان نقصاً حاداً في احتياطاتها من القطع الأجنبي، خاصة الدولار بعدما علّقت الجهات المانحة الدولية مساعدات بالمليارات كانت توفّرها سنوياً للنظام السابق الذي كانت تدعمه الولايات المتحدة.

وكان من الطبيعي في ظل المستجدات السياسية أن يخضع النظام المالي لمزيد من القيود، وكانت وزارة المالية في حكومة طالبان أعدت مشروع ميزانية، سيمول للمرة الأولى منذ عشرين عاماً، من دون مساعدة دولية.

وأعلنت لجنة النقد الوطنية في أفغانستان أنها حضّت المصرف المركزي على التدخّل في السوق، لدعم العملة الأفغانية.

وقد فرضت المصارف قيوداً صارمة على عمليات سحب النقد، ما أدى إلى اهتزاز الثقة بالنظام المالي. وسرّعت الأزمة النقدية وتيرة الانهيار الاقتصادي الذي أسفر عن أزمة إنسانية تزداد تفاقماً.

ويعاني أكثر من نصف سكان أفغانستان البالغ عددهم الإجمالي 38 مليون نسمة نقصاً «حاداً» في المواد الغذائية، وفق الأمم المتحدة، ويجد الملايين منهم في فصل الشتاء أنفسهم أمام الاختيار بين الهجرة والمجاعة.

وفي محاولة لتخفيف معاناة الشعب الأفغاني، تبنى مجلس الأمن الدولي، مؤخراً، قراراً باستثناء المساعدات الإنسانية في أفغانستان من تجميد الأصول المفروض على قادة طالبان، وعلى الكيانات المرتبطة بهم.

وينص القرار رقم (2615)، الذي حصل على موافقة أعضاء المجلس بالإجماع، على أن المساعدة الإنسانية والأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية في أفغانستان لا تشكل انتهاكاً لتجميد الأصول المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن لعام 2015.

وينص القرار على السماح بمعالجة ودفع الأموال والأصول المالية أو الموارد الاقتصادية الأخرى، وتوفير السلع والخدمات اللازمة، لضمان تقديم هذه المساعدة في الوقت المناسب أو لدعم مثل هذه الأنشطة.

وتدفع دول الجوار الأفغاني الأكثر قلقاً من تفاقم الأزمة الأفغانية وتبعاتها وتأثيرها المباشر في تلك الدول، باتجاه تخفيف القيود على المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب الأفغاني.

فقد قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي: إن أفغانستان تعيش أزمة إنسانية ومعاناة مستمرة؛ بسبب ضعف الحوكمة؛ واعتمادها على المساعدات الخارجية.

ولفت في كلمة له أمام اجتماع منظمة التعاون الإسلامي عقد خصيصاً لبحث الوضع في أفغانستان، إلى أن المشهد السياسي في أفغانستان تغير، لكن احتياجات الشعب الأفغاني لا تزال مُلحة وحاضرة بقوة، مؤكداً أهمية تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني من دون أي شروط. وحذر من أن تدهور الوضع في أفغانستان يؤثر في جيرانها ودول أخرى خارج المنطقة.