عادي
عاشوا مجهولين في ظلال النسيان

مبدعون حلّقوا في سماء الشهرة بعد وفاتهم

00:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
لوحة «الليلة المرصعة بالنجوم» لفان جوخ

الشارقة: علاء الدين محمود
العديد من الأدباء والفنانين عاشوا حياتهم منسيين في الظلال، لم يُسمع بهم إلا بعد وفاتهم، حينها تحدثت أعمالهم عنهم، عاشوا نكرات في أوساطهم الإبداعية وكذلك على مستوى الجمهور، لكن الذي جمع بين هؤلاء الإصرار الشديد على الاستمرار في الإبداع، لم يستسلموا لأنهم يحملون اعتقاداً عظيماً في دواخلهم بأهمية ما يقدمونه، ولئن كان الفيلسوف الكبير نيتشه قد لقي الشهرة في حياته، إلا أنه كان يردد أن أعماله لن تفهم الآن بل لأجيال قادمة، وربما ذلك هو الأمر الذي استقر في أذهان هؤلاء المبدعين فشكل لديهم حافزاً للاستمرار.

ويبدو أن مقولة نيتشه تلك التي وصف بها أعماله، قد انطبقت تماماً على الكاتب التشيكي من أصل ألماني، فرانس كافكا «1883 -1924»، فعلى الرغم من أنه يعتبر من أكثر الأدباء تأثيراً في القرن العشرين، إلا أنه لم يعشْ حتى يستمتع بتلك الشهرة الكبيرة التي جاءت عقب وفاته، بل شهدت بداياته الأدبية تعثراً كبيراً، فعندما عرض أعماله على الناشرين تم رفضها ولم يأخذه أحد على محمل الجد، نسبة لغرابة المواضيع التي كانت تحملها تلك المؤلفات في عصره، فقد كان كافكا يتحدث عن أفكار لم تكن مألوفة، ويعتبرها رؤى ثورية وستقلب الموازين الأدبية والفكرية، ولكنه طوال فترة حياته لم ينشر سوى 6 أعمال صغيرة، شملت مجموعة قصصية تحت اسم «تأمل»، وأخرى بعنوان «طبيب ريفي»، وقصصاً فرديّة هي «المسخ» التي نُشرت في مجلّة أدبية ولم تحظَ باهتمام، وعاش ككاتب غير معروف لا في الأوساط الأدبية ولا حتى لدى الجمهور.

بلغ اليأس بكافكا مبلغاً كبيراً حتى أنه أوصى صديقه ماكس برود بحرق جميع أعماله بعد وفاته؛ لكن الصديق لم يفعل ذلك لحسن الحظ، بل قام بنشر كل مؤلفاته ليشتهر كافكا في كل العالم، ولولا ذلك الصديق لما وصلت آثاره وأعماله إلى القراء والمختصين في عالمي الأدب والفكر.

وعلى الرغم من أن العديد من أعمال كافكا وجدت طريقها إلى النشر عقب وفاته، إلا أن استيلاء النازيين على السلطة في عام 1933 قضى على فرصتها في الانتشار، ولم يعد بالإمكان قراءة كتبه علناً إلا في الدول الأجنبية، ويعدّ كافكا رائداً للأدب الكابوسي، بل إن هناك مصطلحاً تم اشتقاقه من اسمه ليعبر عن سمات هذا اللون وهو «الكافكاوية».

ألمّ اليأس بكافكا في كثير من منعطفات حياته الأدبية، إلا أنه كان شديد الإصرار على التأليف، إذ كان يعتبر أن الكتابة هي حياته، وذلك ما دفعه للقول: «سوف أكتب رغم كل شيء، سوف أكتب على أي حال، إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات».

حياة مضطربة

«كلما تقدم بنا العمر غدونا أكثر تعلقاً بالحياة، لأجل ذلك أغادرها في أوج اشتعالي، ولكن لماذا؟ إنه الإخفاق مرة أخرى، لن ينتهي البؤس أبداً، وداعاً يا ثيو، سأغادر نحو الربيع»، كانت تلك هي الكلمات الأخيرة للرسام العالمي فنسنت فان جوخ، «1853-1890»، التي ضمنها في رسالة لشقيقه ثيو، قبل أن ينتحر، ولعل هناك أشياء تجمع بين فان جوخ وكافكا، أبرزها تأثيرهما الكبير على حركة الإبداع والأدب في القرن العشرين عقب وفاتهما، أي أثرهما كان في عصر لم يعيشاه، مما يدل على القيمة العالية لإبداعهما.

في طفولته، عاش فان جوخ خجولاً منعزلاً، ولم يجد الفرصة المناسبة لعرض رسوماته وإظهار مواهبه العظيمة في حياته، ففي أواخر العشرينات من عمره اكتشف حبه للرسم الذي أصبح سلوته في عزلته وابتعاده عن الناس، لقد عرف بعين الفنان معاني كثيرة في الحياة، حاول أن يعبر عنها في رسوماته، غير أنه لم يفلح في نشر أعماله للجمهور، الأمر الذي أصابه باليأس، وجعله يعيش حياة الاكتئاب والجنون ثم الانتحار.

مات فان جوخ، ولم يبع سوى لوحة واحدة في حياته المضطربة، بل واتهمه سكان مدينة «آرل»، الفرنسية بالجنون، ووقعوا على طلب يطالبون فيه بإبعاده عنهم، فانتهى به الحال إلى إيداعه بمصحة نفسية بمدينة «سان بول»، وهي الفترة التي رسم بها لوحته الشهيرة «الليلة المرصعة بالنجوم».

بعد وفاته تم اكتشاف حوالي 2000 قطعه فنية من أعماله، وعلى الرغم من أنه كان يعاني من أجل بيع لوحة واحدة، إلا أن لوحاته تعدّ الآن الأغلى في العالم، ويعتبر أسلوبه الإبداعي معاصراً تماماً، وكان له الأثر الأكبر على الرسامين والتشكيليين الذين برزوا بعده بسنوات.

الأعلى مبيعاً

الكاتب السويدي ستيج لارسون، «1954 – 2004»، وهو صحفي كذلك، قام بتأليف العديد من الأعمال الأدبية القيمة، لكنها لم تجد صدى في حياته، حيث لم يسمع عنه إلا قلة من النقاد والأدباء، لكن بعد وفاته بقليل اشتهرت مؤلفاته بصورة كبيرة، وقد احتلت أعماله قائمة الأكثر مبيعاً في عام 2008.

اشتهر لارسون بسبب كتابته سلسلة «ميلينيوم» أو «الألفية»، وهي من روايات الجريمة التي نشرت بعد وفاته، بدءاً من عام 2005، ومن أشهر أعماله «فتاة في عش الدبابير»، و«الفتاة ذات وشم التنين»، و«فتاة لعبت بالنار».

عزلة

«أنا لا أحد فمن أنت؟»، هكذا تحدثت الشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون «1830-1886»، والتي تعد اليوم واحدة من أشهر الشاعرات اللواتي كتبن باللغة الإنجليزية، غير أن تلك الشهرة لم تأتِ إليها في حياتها، حيث لم يكن أحد يعرف عنها شيئاً، وعقب وفاتها صارت مؤلفاتها من ضمن الكتب الأكثر مقروؤية، بل وأصبحت ضمن المقررات الأدبية الدراسية من التعليم الأساسي إلى الجامعي.

عاشت إيميلي حياة العزلة، وكان ينظر إليها في بلدتها على أنها امرأة غريبة الأطوار، مما ساهم في زيادة عزلتها، فلم تغادر مدينتها إلا لمرات قليلة، ولم ينشر لها في حياتها سوى سبع قصائد، رغم أنها كتبت أكثر من 1800 قصيدة، ورغبت في أن تخفيها عن العامة والاحتفاظ بها لنفسها، وطالبت أختها بأن تحرقها بعد مماتها، إلا أن لافينيا ديكنسون لم تفعل ذلك، بل قامت بنشر مجموعة من أعمالها في عام 1890م.

نالت إيميلي مكانة كبيرة في الأدب الأمريكي عقب وفاتها، وحالياً يعود لها الفضل، بالإضافة إلى معاصرها والت ويتمان، في وضع الأسس الأولى للشعر الأمريكي المعاصر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"