عادي

الإسراء والمعراج.. رحلة خالدة خارج المقاييس البشرية

22:32 مساء
قراءة 6 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

لا يزال البعض يعبث بما هو مستقر وحقائق في الدين الإسلامي، ويكون من نتائج ذلك تشتيت الجهود، وصرف الأنظار عمّا يواجه الأمة الإسلامية من أخطار وتحديات. وفي الفترة الماضية انشغلت المؤسسات الإسلامية في مصر بتفنيد شبهات ثارت حول رحلة الإسراء والمعراج، لتوضيح الحقائق الدينية لجماهير المسلمين في كل مكان، فعقد الأزهر الشريف ندوة شارك فيها نخبة من كبار العلماء والباحثين في السنة النبوية الشريفة، كما أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً أوضحت فيه الدروس المستفادة من هذا الحدث التاريخي العظيم الذي لا يزال يعطي للمسلمين دروساً وعبراً، للاستفادة منها في واقعهم المعاصر.

في ندوة الأزهر قلّل د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء والرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، من تأثير حملات التشكيك على عقيدة المسلمين. وقال: المشككون موجودون في كل عصر وشبهاتهم لم تؤثر في قناعات المسلمين الدينية، ومشكلة هؤلاء أنهم يطبقون المقاييس البشرية على رحلة نبوية تمت بعناية الخالق، سبحانه، وهو لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ويضيف: من الخطأ أن يقلل أحد من الإسراء والمعراج، فقد أرادها الله معجزة خالدة، دعماً لرسوله الكريم في ظروف صعبة عاشتها الدعوة الإسلامية بسبب قسوة مشركي قريش. وللأسف الشديد أن المشككين لم يقرأوا القرآن الكريم حق القراءة، ولم يقفوا على الأحاديث النبوية الواردة في كتب السنة النبوية الصحيحة التي تسجل هذا الحدث، ولم يدركوا أن كتاب الله الخالد يدحض بكلمات بليغة وعبارات واضحة وحاسمة دعاوى المشككين في معجزة الإسراء والمعراج في كل عصر.

وأكد أن «رحلة الإسراء والمعراج جاءت رابطاً بين مرحلتين مهمتين في عمر الدعوة الإسلامية؛ إعلاء لكلمة الحق، وضيافة إلهية لنبينا العظيم، كما جاءت تلك المعجزة حديثا قرآنياً واضحاً صريحاً يفند كل الأحاديث التي أثارها البعض بغرض التشكيك فيها، فقد كان وراء هذه المعجزة العظيمة حِكَماً عالية؛ مصداقًا لقوله تعالى: «لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا»، فكانت أجلَّ ما يُري الحبيبُ حبيبَه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». وأشار إلى أن الوحيد الذي رأى ثواب الطائعين وعقاب العاصين وسدرة المنتهى وغيرها من الأمور الغيبية هو سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خاتم المرسلين، ولكي يكون حديثه عنها حديث من رأى ومن سمع، وحتى لا تتطرق إليها تلك الأوهام، ولكي تكون اختباراً لأتباعه، يظهر به الصادقون المخلصون، وكذلك المنافقون المُكذّبون؛ مصداقاً لقوله تعالى: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ»، أي: اختباراً لهم.

وأوضح د. هاشم أن «واجب المسلم وهو يعيش في رحاب هذه الذكرى أن يتذكر ما أخبرنا به القرآن، وما نقله الرواة الثقات عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الإسراء والمعراج.. ومن لا يعرف تفاصيل الرحلة المباركة أن يقرأ في كتب السنة الموثوق بها أو يتوجه الى العلماء بالسؤال ليتعرف إلى التفاصيل وما بها من معجزات إلهية؛ حيث لا يجوز أن نطبق المقاييس البشرية على رحلة نبوية تمت بإرادة ورعاية إلهية».

وأضاف: القرآن الكريم سجل لنا هذه الرحلة التاريخية المعجزة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي كما نقلها لنا القرآن الكريم رحلة حقيقية، فإسراء الرسول من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومعراجه إلى السماوات العلا ثابت وفقاً لما سجله القرآن في آيات سورة النجم، ولا يجوز لأحد أن يشكك في هذه الرحلة المباركة، وهي وإن كانت مدهشة لعقول البعض، فهي ليست خارج نطاق القدرة الإلهية.

وأوضح أنه «وفقاً لكلمات وأوصاف القرآن الكريم فقد تم هذا الإسراء بالروح والجسد، وليس بالروح فقط كما قال البعض، فالحادث في نطاق القدرة الإلهية وصدّر القرآن وصف الرحلة المباركة بكلمة «سبحان» وتسبيح الخالق القادر لا يكون إلا عند ذكر الأمور العظيمة التي تتجلى فيها قدرته وعظمته.. كما أنه سبحانه وتعالى أوضح الهدف من الرحلة بقوله: «لنريه من آياتنا» والرؤية للعبرة والاتعاظ والوقوف على القدرة لا تكون إلا في اليقظة».

خارج المألوف

أوضح د.حبيب الله حسن أحمد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن المعجزات، ومنها الإسراء والمعراج، أفعال خارجة عن المألوف، أجراها الله، تعالى، على أيدي رسله تأييداً لهم، فبيده، سبحانه، فعل كل شيء، وإليه مرد كل شيء، لافتاً إلى أنه ليس من الجديد ترديد ما من شأنه التشكيك في الإسراء والمعراج، أو إثارة الشبهات حولها، فكل تلك الشبهات قديمة ومن يرددها لا يعرف غيرها وينتقل من شبهة إلى أخرى، وينطبق عليه قوله تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ».

وقال: حين يقولون إن هذه المعجزة أمر منافٍ للعقل، فهم يتحدثون في الحقيقة عن عقولهم؛ إذ المعجزات لا تُنافي العقل المجرد ولكنها تأتي على خلاف العادة وما يألفه الناس فقط؛ ولذلك سميت بالمعجزة لكونها مخالفة للسنن الكونية، فالعقل يفسح المجال لأن يتغير العالم، وكثير من الأمور والعجائب هي من صنع الإنسان الآن، وإن كانت جميعها من تسخير الله وتقديره، ولم يكن العقل البشري يتخيل حدوثها يوماً، مثل ما نراه اليوم من اختراعات لم تكن موجودة في الماضي، ولم يكن يتصور حدوثَها أحد.

فكر مدسوس

د. عباس شومان، عضو مجمع البحوث الإسلامية والمشرف العام على لجان الإفتاء بالأزهر، يرى أن اللغط الدائر حول الإسراء والمعراج يرجع إلى سببين: الأول: النظر إلى الرحلة في ضوء العلم وميزان العقل، وهذا خطأ، فالمعجزات جاءت تتحدى المألوف علميّاً وعقليّاً، وإلا لم تكن معجزة، ولا يستدل بها على إثبات صدق رسول بأنه مرسل من ربه. الثاني: التشكيك في الثوابت وتشويه صورة الدين في عقول الشباب، وهز ثقتهم في كتاب ربهم وسنة نبيهم وتراث سلفهم الصالح.

ويقول: السبب الأول أصله استعماري غرسه في ثقافتنا الاحتلال البريطاني؛ إذ قال علماؤه: إنكم تنتمون إلى دين عظيم، لكن مشكلتكم أنكم لا تعرضون ما في كتبكم على عقولكم والقوانين العلمية، فتلقف بعض كتّاب المسلمين هذه الوصية الخبيثة في كتاباتهم للسيرة النبوية، فخربوا المعجزات لأن العقل والعلم لا يقبلانها، فأولوا الثابت منها تأويلاً يناسب العلم والعقل، فقالوا عن الإسراء رؤية منامية. وبدهي أن السبب الثاني مسلك استعماري أيضاً فأول من شكك في كون المراد بالمسجد الأقصى لإفقاد قضية فلسطين أهم ركائزها المحورية.

ومن المعلوم، وفق شومان، أن الصلاة فرضت في رحلة المعراج، فإذا ثبت أنه وهم لا حقيقة له، فتكون الصلاة كذلك، وإذا سقط ركن الإسلام الأول العملي بعد الشهادتين، أمكن إسقاط بقية الأركان.

إعجاز لا يمكن إنكاره

ردت دار الإفتاء المصرية على المشككين في رحلة الإسراء والمعراج مؤكدة أن المغالطات حولها تدور في اتجاهين: الأول: هل حدثت هذه المعجزة؟ والثاني: متى حدثت؟ فأما حدوثها؛ فقد حدثت قطعاً؛ لأن القرآن أخبرنا بذلك، ولا يجوز إنكارها بحال من الأحوال؛ فقال عز وجل: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».

وقالت دار الإفتاء: «المقصود ب «بِعَبْدِهِ» سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، والآية دالة على ثبوت الإسراء. أَما ثبوت المعراج؛ فيدل عليه قوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى». والمقصود بالرؤية في الآية الكريمة: رؤية سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، لجبريل في المعراج.

وأوضحت دار الإفتاء في بيانها الشرعي أن جمهور العلماء أكدوا أَن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرّح به؛ لقوله تعالى: بِعَبْدِهِ والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد، وجمهور العلماء من المحققين على أن المعراج وقع بالجسد والروح يقظة في ليلة واحدة.

وأضافت: إن ما يراه البعض من أن المعراج كان بالروح فقط أو رؤيا منامية؛ فإن هذا الرأي لا يعول عليه؛ لأن الله، عز وجل، قادر على أن يعرج بالنبيِّ، صلى الله عليه وآله وسلم، بجسده وروحه كما أسرى به بجسده وروحه، وتعجب العرب وقتها دليل على القيام بالرحلة روحاً وجسداً؛ فلو كانت رؤية منامية ما كانت تستحق التعجب منهم. أما إنكار البعض لحدوث رحلة الإسراء والمعراج بسبب تعارضها مع القدرة البشرية، فالجواب: أَنَّ النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، لم يقل إنه قام بهذه الرحلة بنفسه دون العناية الإلهية؛ بل الرحلة بأكملها بتوفيق الله وفضله وهو الذي أسرى بعبده. وهذا الإعجاز الحاصل في الرحلة لا يتعارض مع قدرة الله، عز وجل، فضلاً عن أن غرابة وصف الرحلة منتفٍ وخاصة بمقاييسنا المعاصرة؛ بل حدثت أمور تشبه المعجزات كاختراع الفاكس منذ عقود طويلة والذي تمكن من نقل أوراق وصور إلى أي مكان في العالم، فضلاً عن ظهور الإنترنت والفضاء الإلكتروني منذ عدة سنوات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"