قياس التنمية غير متاح بدون بيانات

21:28 مساء
قراءة 3 دقائق

د. علي توفيق الصادق*

أهداف التنمية المستدامة، التي بدأ العمل على إنجازها منذ بداية عام 2016 والمزمع تحقيقها في عام 2030 سبعة عشر هدفاً أول خمسة منها هي: لا فقر، القضاء على الجوع، الصحة الجيدة والرفاهية، جودة التعليم، المساواة بين الجنسين. واقع الحال أن الهدف الأول: لا فقر والهدف الثاني: القضاء على الجوع تراجعا. فقد زاد عدد الفقراء بنحو 600 مليون بتداعيات جائحة كورونا كوفيد-19، كما أن الأهداف الأخرى للتنمية المستدامة أصبحت غير قابلة للتحقيق بنهاية 2030 لأن الأولوية هي للصحة ومحاصرة الجائحة والقضاء عليها وعلى تداعياتها. ولكن تظل البيانات سواء كانت للحكومات أو للشركات أو للقطاع الخاص أو للأفراد مهمة لوضع الخطط والاستراتيجيات والسياسات. لذلك تناول تقرير البنك الدولي «تقرير عن التنمية في العالم 2021: البيانات من أجل حياة أفضل» الإجابة عن سؤالين أساسيين، أولاً، كيف يتسنى للبيانات أن تنهض بأهداف التنمية على نحو أفضل؟ ثانياً، ما ترتيبات الحوكمة اللازمة لدعم توليد البيانات واستخدامها بطريقة آمنة وأخلاقية ومأمونة، وفي الوقت نفسه تحقيق قيمة على نحو منصف؟

يغرق المرء في كميات هائلة من البيانات إذا لم يستطع تحديد نوع البيانات ومجالات استخدامها والنتائج المرجوة من الحصول عليها وتحليلها. علماً بأن الابتكارات التقنية الحديثة أدت إلى زيادة هائلة في توفر البيانات الآنية التفصيلية. وتخلق هذه الابتكارات في مجال توليد البيانات فرصاً جديدة لتعزيز الأداء الاقتصادي للشركات وإعادة توظيف البيانات لتحسين تصميم السياسات العامة وتنفيذها وتقييمها ومساعدة الأفراد والمجتمعات على اتخاذ خيارات أفضل عبر الوصول إلى المزيد من المعلومات والمعارف. 

المأمول أن تؤدي البيانات إلى حياة أفضل من خلال قنوات متعددة. مثلاً يمكن أن تستخدم الحكومات البيانات لتحسين البرامج والسياسات وتوجيه الموارد النادرة إلى السكان المهمشين والمناطق المهمشة، ويمكن للقطاع الخاص أن يستخدم البيانات لدعم نماذج الأعمال القائمة على المنصات والتي تحفز النشاط الاقتصادي والتجارة الدولية في الخدمات. 

ويمكن للأفراد الذين يتم تمكينهم من خلال البيانات اتخاذ قرارات أفضل. وفي هذا السياق نذكر الحاجة إلى بيانات ومعلومات عن الاقتصاد الوطني في مجال الحسابات القومية للتعرف إلى معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، والقطاعات الاقتصادية ومساهمتها في النمو، والبطالة والتوظيف، والصادرات والواردات ومعرفة وضع القطاع الخارجي سواء حقق الاقتصاد فائضاً أو عجزاً، ومعرفة وضع الميزانية، سواء حققت فائضاً أو عجزاً ومقدار الدين العام الخارجي والمحلي. الواقع أن كل بلد بحاجة أن تكون لديه إحصاءات عن الحسابات القومية، وميزان المدفوعات، وإحصاءات مالية الحكومة والإحصاءات النقدية والمصرفية. بدون بيانات دقيقة وفي مواعيد محددة ومنتظمة تكون السياسات ارتجالية لا تؤدي إلا إلى مزيد من الإرباك والغموض.

تولد البيانات قيمة اقتصادية واجتماعية يمكن مضاعفتها من خلال إعادة التوظيف وإعادة الاستخدام. إن وفورات الحجم في تحليل البيانات تخلق حوافز لاكتناز البيانات وقد تؤدي هذه العملية إلى تركز السلطة الاقتصادية والسياسية. ويخلق هذا الاكتناز حواجز أمام إعادة استخدام البيانات، مما يحول دون تحقيق البيانات القدرة الإنمائية الكاملة، علاوة على زيادة احتمال سوء إدارة البيانات. إن المخاوف المتنامية بشأن المخاطر المرتبطة بنظم البيانات بإساءة استخدام البيانات وأوجه عدم المساواة العالمية تخفف بشكل من الحماس بشأن إمكانية مساهمة البيانات في تعزيز الأهداف الإنمائية. على المستوى الوطني، يقترح البنك الدولي أن تدخل الحكومات مع الأفراد والمجتمع المدني والوسط الأكاديمي والقطاع الخاص لوضع قواعد الاستخدام للبيانات، وذلك تعزيزاً للصالح العام. وعلى المستوى الدولي، نظراً للحجم العالمي لصناعة البيانات، فإن بعض الجوانب تنطوي على تحديات تستدعي تعاوناً دولياً أوثق لمواءمة الأنظمة وتنسيق السياسات، سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو العالمي. 

إن المخاوف متنامية بشأن المخاطر المرتبطة بنظم البيانات وزيادة استخدام البيانات وإعادة استخدامها لتحقيق قيمة أكبر.

كما أن استخدام البيانات لغرض واحد لا يقلل من قيمتها. فزيادة عدد المستخدمين الذين بإمكانهم الوصول إلى البيانات من خلال مبادرات البيانات المفتوحة ومشاركة البيانات، على سبيل المثال، تزيد من إمكانية أن تحدث البيانات تأثيرات إنمائية إيجابية.

علاوة على ذلك، فإن أي تنسيق للتعاريف والمعايير والتصنيفات -أي ضمان التشغيل البيني للبيانات- يعزز من أوجه التآزر في مختلف مصادر البيانات الجديدة. وقد نجمت أغلبية الزيادة الهائلة هذه مؤخراً عن رقمنة عمليات الشركات.

* مستشار اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"