لبنان والقطاع المصرفي

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

جبهة جديدة اندلعت في لبنان عنوانها القضاء والقطاع المصرفي، حيث تدور معركة شرسة بين مرجعيات قضائية اتخذت قرارات وإجراءات صارمة بحق عدد من البنوك اللبنانية، في إطار ما تعتبره محاربة للفساد، وبين مصارف ومرجعيات مصرفية ترفض تحميلها مسؤولية الأزمة الناجمة عن الانهيار المالي منذ عام 2019، وتعتبرها غير قانونية وغير شرعية.

 وفي كلتا الحالتين، تبدو المعركة مغلفة بطابع سياسي، وتقفز مجدداً بمسألة «استقلالية القضاء» إلى الواجهة، فيما تبقى مسألة محاربة الفساد بانتظار إجراءات جذرية وشاملة وليست انتقائية في إطار إصلاحات حقيقية يحتاج إليها اللبنانيون ويطالب بها المجتمع الدولي.

 لا يختلف اللبنانيون على أن من حق القضاء إجراء تحقيقاته حول أي شبهات بالفساد وفي أي مكان من القطاع المصرفي، لكنهم يختلفون حول الآلية والأهداف، فالبعض، ومنهم سياسيون كبار، يرون أنه يتم توظيف القضاء لصالح جهات سياسية لتحقيق مكاسب انتخابية مع اقتراب استحقاق الانتخابات النيابية في 15 مايو/ أيار المقبل، ويعتقد هؤلاء أن الآلية التي تتم بها التحقيقات تعتمد وسائل شعبوية ما يجعل توظيفها ممكناً سياسياً، وبالتالي تظهر الإجراءات التي يتخذها القضاء وكأنها إجراءات انتقامية أكثر منها إصلاحية.

 وبالمقابل، يدافع القطاع المصرفي، بأن السياسات التي اتخذتها النخب اللبنانية على مدار عقود طويلة هي التي أوصلت إلى انهيار النظام المالي. بين هذا وذاك، يدفع اللبنانيون وحدهم ثمن هذه السياسات، التي جعلت أغلبيتهم الساحقة تعيش تحت خط الفقر، ووضعتهم راهناً في وضع المعاناة الرهيبة مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية من غذاء ودواء ومحروقات، وتركت أبواب البلاد مشرعة من دون أي حصانة أمام الأزمات العالمية كما يحدث الآن. 

 الأسوأ من ذلك، أن المصائب التي تحل بلبنان لا تزال تخضع للمناكفات السياسية؛ إذ إن تجميد القضاء لأصول عدد من البنوك الأساسية ومنع رؤسائها وأصحابها من السفر، كما جرى مؤخراً، يقابله استنفار من جانب القطاع المصرفي، وإعلان عن إضراب تحذيري من جمعية المصارف، وتهديدات بالتصعيد والذهاب إلى إضراب عام وشامل، إذا لم يتم وقف هذه الإجراءات والتوصل إلى توافق سياسي حول معالجة الأزمة. 

 والسؤال الآن، ماذا لو قررت البنوك اللبنانية إغلاق أبوابها بشكل كامل، رداً على إجراءات القضاء، وسط مخاوف جديدة من أزمة سيولة ظهرت بوادرها مع الإجراءات القضائية الأخيرة المتخذة بحق بعض البنوك، وختمها بالشمع الأحمر، ما يعني تفاقم أزمة المودعين.

 من الواضح أن الطبقة السياسية لا تزال تعيش تحت وطأة المناكفات، ضاربة عُرض الحائط بمأساة لبنان واللبنانيين، فمجلس الوزراء الذي عقد جلسة خاصة لمناقشة الإجراءات المتخذة بحق بعض البنوك والعلاقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية، أخفق في التوصل إلى أية نتائج أو حلول عملية، خصوصاً أن جهات سياسية داعمة لإجراءات القضاء أعربت عن استعدادها للتصعيد إلى مالا نهاية، بينما أعلى الهرم في البلاد أغلق أبواب الحلول، بحجة عدم التدخل في القضاء. والحقيقة هي أن التراجيديا اللبنانية لا تزال مستمرة بانتظار إما «معجزة» وإما اختفاء الطبقة السياسية من الساحة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"