الصراع على الشرعية في تونس

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

تشهد تونس صراعاً ساخناً على الشرعية بين البرلمان المجمد بقرار من رئيس الجمهورية قيس سعيّد منذ 25 يوليو/تموز الماضي، وبين السلطة التنفيذية التي يقودها. فجّر هذا الصراع أعضاء البرلمان عندما قرروا وضع نهاية عملية وفعلية لقرار تجميدهم من خلال ترتيب جلسة «افتراضية» للبرلمان عبر آلية «فيسبوك» بعيداً عن قيود الأجهزة الأمنية التي أغلقت مقر البرلمان. 

الأهم هو إعلان هؤلاء النواب أن اجتماعهم المشار إليه هدفه المحدد، التصويت على مشروع قانون يُلغي نهائياً قرارات الرئيس، وفي مقدمتها قرار تجميد عمل البرلمان لمدة 6 أشهر، وهو القرار الذي جدده بقرار آخر في 13 ديسمبر/كانون أول الماضي.

حضر جلسة البرلمان «الافتراضية» 121 نائباً من أصل 217، وصوّت على مشروع قانون إلغاء تجميد البرلمان 116 نائباً. وكان يمكن أن يكون صدور هذا القانون بداية لتفكيك منظومة قرارات الرئيس، وهو ما أدرك مغزاه واعتبره «محاولة انقلابية فاشلة»، وبادر إلى إصدار قرار يقضي ب«حل البرلمان» مباشرة عقب انتهاء تلك الجلسة الافتراضية، من أجل «الحفاظ على الدولة ومؤسساتها»، ثم توجيه الأمر إلى وزيرة العدل بأن تدعو النيابة العمومية لبدء تحقيقات مع 120 نائباً ممن حضروا الجلسة. 

الناطق باسم حركة النهضة «الإخوانية» أعلن أنه «تم توجيه دعوة للتحقيق مع راشد الغنوشي، رئيس البرلمان، رئيس حركة النهضة، وأوضح أن «التحقيق يجري على قاعدة تهمة التآمر على أمن الدولة»، وهذه سابقة خطرة؛ لأن «الإعدام» هو عقوبة هذه التهمة في حال ثبوتها.

هكذا يمكن القول إن تونس دخلت مرحلة جديدة من «صراع الشرعيات» على ضوء إدراك كل طرف لجدية هذا الصراع وقناعاته بتفسيراته لمواقفه. فالرئيس سعيّد دان في كلمة له خلال لقائه مع رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، خطوة البرلمان المجمد، ووصفها ب«التآمر على أمن الدولة». وقال: «نحن مؤتمنون على أمن تونس ولن نترك العابثين يواصلون غيّهم وعدوانهم على الدولة ومقدرات الشعب». وقال: «إذا كانوا يريدون تقسيم البلاد وزرع الفتنة، والفتنة أشد من القتل، فنجوم السماء أقرب إليهم من ذلك»، في حين أن مصادر سياسية مطلعة قالت إن راشد الغنوشي الذي لبّى دعوة القضاء يوم الجمعة الماضي سيرفض التحقيقات الأمنية معه، بخصوص دعوته لعقد جلسة برلمانية عامة، موضحة أنه «سيتمسك بالحصانة البرلمانية» التي من شأنها أن ترفع مستوى الأزمة وتفاقم حجم التوتر السياسي المحتدم في تونس في ظل وجود انقسام سياسي حقيقي بين من يؤيدون الرئيس من الأحزاب والقوى، ومن يؤيدون موقف النواب من أحزاب المعارضة والقوى السياسية.

حالة الانقسام الجديدة عبّر عنها رئيس الجمهورية الأسبق محمد المنصف المرزوقي المقيم بالخارج، والصادرة بحقه مذكرة اعتقال دولية، بالقول، إن اجتماع البرلمان «يوم أغر بالنسبة للديمقراطية التونسية».

لقد أدركت حركة «النهضة» والأحزاب الحليفة أن مشروع الإصلاح الذي يقوده الرئيس سعيّد، وفق خريطة الطريق التي جرى الإعلان عنها، سوف يضع قواعد نظام سياسي رئاسي يعطي للرئيس سلطة تفوق كل السلطات، بناء على ما جرى الإفصاح عنه من مضامين للاستشارات الإلكترونية ابتداء من أول يناير/كانون الثاني الماضي وحتى 20 مارس/آذار الماضي. 

فقد أعلن نزار بن ناجي وزير تكنولوجيا الاتصالات، أن نتائج تلك الاستشارات كشفت عن تأييد 86.4% من المشاركين لصالح نظام رئاسي، وصوّت 70.4% لصالح أن تكون تونس دولة قانون.

حركة «النهضة» وأحزاب المعارضة الحليفة لها، ترفض خريطة الطريق وتطالب بانتخابات رئاسية وبرلمانية بعد ثلاثة أشهر من الآن، لكن هذا الرفض لم يعد له وجود في ظل حل البرلمان والمحاكمات التي تنتظرهم، ومن شأنها إرباك كل الحسابات وتجديد الصراع على شرعية الحكم في تونس بعد آمال وردية من طموحات الاستقرار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"