كيف تستثمر في سوق متقلبة؟

21:20 مساء
قراءة 4 دقائق

شادي كرباج *

يشكل الصراع بين أوكرانيا وروسيا والاضطرابات المترتبة عنه في أوروبا أحد أضخم الأحداث الجيوسياسية في عصرنا الحديث، مع تداعيات استثمارية واسعة النطاق تطال عدة قطاعات وصناعات.
وهذا الصراع هو أحد التطوّرات العديدة التي أفضت إلى فترة من التقلبات القاسية في الأسواق العالمية لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ بداية جائحة كوفيد-19 في مارس 2020. بشكل عام، يمكن الاعتبار أن التقلبات الحالية تعزى بشكل أساسي إلى ثلاثة عوامل رئيسية.
أولاً، الموقف الجريء الذي اتخذه البنك المركزي الأمريكي عبر رفع معدلات الفوائد في وقت سابق من هذا الشهر للمرة الأولى منذ عام 2018.
ثانياً، المخاوف من تصعيد الصراع العسكري بين أوكرانيا وروسيا الذي أدى إلى حالة من عدم اليقين في السوق حول التأثير الذي سيخلفه ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء على التضخم.
ثالثاً، شبح التضخم المصحوب بالركود، الذي لا يزال مرجحاً مع التعافي السريع في الطلب والقيود على العرض مما أدى إلى ارتفاع هائل في التكاليف في الأشهر الماضية.
من هذا المنطلق، في خضم هذا الوضع المضطرب، كيف يستطيع مستثمرو المحافظ المالية وضع خارطة طريق تؤدي إلى تحقيق الربح في المستقبل؟
على الرغم من أن الاستثمار في الأسواق المتقلبة خلال فترة محفوفة بالأزمات ليس بالأمر السهل، بالإمكان تحقيق نتائج أكثر من مرضية من خلال بعض الإرشاد الدقيق والاختيار الحذر للأصول.
بإمكان الأصول الحقيقية على غرار الذهب العادي والسلع الخام أن تمنح قيمة حقيقية وتحوطاً كبيراً في الأوقات التي تكون فيها الأسواق متقلبة والتضخم مرتفعاً.
في الوقت عينه، في حال طالت فترة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، سيبقى الطلب على السلاح والمعدات الدفاعية مرتفعاً (ولهذا السبب تقدم أسهم الصناعات الدفاعية فرصاً قصيرة الأمد تستفيد من الأزمة). ويشكل أداء الأسهم الذي تحققه شركات الدفاع والصنعات الجوية والفضائية الأمريكية خير مؤشر على ذلك، فقد ارتفع سعر أسهم شركة «نورثروب غرومان» بنسبة 11.7% في الشهر الماضي، فيما ارتفع سعر أسهم «رايثيون» بنسبة 3.5% في الفترة ذاتها.
في غضون ذلك، ستؤدّي أسعار النفط القياسية وتداعياتها على التضخم، والإنفاق الاستهلاكي، واستهلاك الطاقة، والسياسة النقدية إلى الحفاظ على الطلب على مصادر الطاقة المتجددة واقتصاد الهيدروجين أقوى من أي وقت مضى. وكمثال على ذلك، ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 46% في غضون ثلاثة أشهر، فيما ارتفع سعر نفط برنت بنسبة 46.5%. وأمام هذا الوضع، لا شك في أن عملية الانتقال إلى أشكال طاقة أنظف وأرخص ستكسب المزيد من الزخم، ولا سيما في أوروبا. وتمنح محفظة اقتصاد الهيدروجين التي يقدمها بنك سويسكوت انكشاف علة هذه الصناعة الناشئة، علماً أن شهادة سويسكوت بنك للاستثمار في هذا القطاع حققت مكاسب وصلت إلى 91.5% في سنتين.
وتفرض السوق المضطربة على المستثمرين والمتداولين أن يحافظوا على هدوئهم وصبرهم قبل كل شيء. فالطريقة للخروج من الأزمة متاحة دائماً، لكنها تتطلب الوقت، وأي تعافٍ سيحدث بشكل تدريجي.
ولعله من الحكمة للمستثمرين بألا يتجاهلوا الأسواق الخاصة، فهي عادة لا ترتبط بالأسواق العامة وتستمر بتوسيع أصولها على المستوى الجغرافي. وطالما أنّ هذه الأزمة الراهنة تؤثر بشدة في روسيا وأوكرانيا، فإن الحفاظ على محفظة متنوعة جغرافياً يعد أحد أفضل أساليب التحوط المتاحة حالياً للمستثمرين.
وتقدم السندات الحكومية عالية الجودة مجالَ استثمار آخر يمنح عائدات مستقرة. فمع أن أسهم البنوك ذات التصنيف الائتماني المرتفع (AAA أو AA) ستحقق أداء جيداً على الأرجح في الأشهر المقبلة، يجب أن يكون المستثمرون انتقائيين في خياراتهم. فالبنوك في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مثلاً تتبوأ مواقع جيدة وتتسم بسيولة ملائمة وطلب متزايد على الائتمان وظروف مالية متحسنة.
بشكلٍ عام، تبدو الأسواق في حالة من الإنكار، إذ تتجاهل المخاطر المستقبلية التي يشكلها التضخم المصحوب بالركود والأخطاء المرتكبة في السياسات النقدية. غير أن مؤشر الدولار الأمريكي ما زال يحافظ على زخم جيد، ويبقى الدولار الأمريكي من الأصول الآمنة في الفترات التي تشوبها اضطرابات سياسية. وستحرص خطة البنك المركزي الأمريكي التي تقضي برفع تكاليف الاقتراض إلى مستويات تقييدية فضلاً على رفع معدلات الفوائد في وقت سابق من هذا الشهر، على أن تحقق المعدلات الأمريكية الأعلى أداء أفضل من معدلات المملكة المتحدة والمعدلات الأوروبية.
أما في دول مجلس التعاون الخليجي، فتستفيد الحكومات على الأرجح من أسعار النفط المرتفعة، مع ما يرافقها من نتائج أفضل في الإنفاق الحكومي والأوضاع المالية. وستبقى العملات الخليجية على غرار الدرهم الإماراتي والريال السعودي قوية بسبب ربطها بالدولار الأمريكي. وسوف يدعم الإنفاق الحكومي الأعلى في المنطقة التعافي في مرحلة ما بعد الجائحة مع استمرار الحكومات بتنفيذ مشاريع البنى التحتية الضخمة والباهظة.
ختاماً، لنتذكر أن الاستنتاج الأبرز عند محاولة الاستثمار وبناء محافظ استثمارية في سوق مضطربة ومتقلبة هو التركيز على التنويع واعتماد التعقل في تحديد الأصول وطرق تداولها. ففرصة النجاح التالية قد تكون بانتظاركم.
* نائب مدير المكتب التمثيلي لبنك سويسكوت المحدود في دبي
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

نائب المدير التنفيذي ل«سويسكوت بنك – دبي»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"