ليبيا.. تدوير المراحل الانتقالية

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
3

د. أيمن سمير *

تستمر حالة «عدم اليقين» السياسي والأمني التي تعيشها ليبيا منذ 17 فبراير/شباط 2011، فمنذ ما يسمى ب«الربيع العربي» ظلت ليبيا في حالة من تدوير «المراحل الانتقالية» من دون الانتقال ولو مرة واحدة «للدولة الوطنية» بكل ما تعنية من استقرار للمؤسسات وبدء مرحلة إعادة الإعمار والتنمية والاستفادة من طاقات وموارد البلاد الهائلة.

 وعلى الرغم من كثرة المبادرات والمحاولات المدعومة من الدول العربية ودول الجوار، فإن تفاصيل المشهد الليبي بداية من عدم اعتراف تنظيم «الإخوان» بنتائج انتخابات عام 2014 والحرب ضد الميلشيات والمجموعات الإرهابية الموجودة في الغرب الليبي في إبريل/نيسان 2019، ثم الاتفاق على وقف إطلاق النار في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020 تؤكد أن الانتقال إلى «مرحلة الاستقرار» والذهاب لانتخابات رئاسية وبرلمانية ما زالت بعيدة في ظل تجدد حالة «التشظي السياسي» بفشل تنظيم الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم رفض عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة إلى حكومة فتحي باشاغا التي وافق عليها البرلمان الليبي في الأول من مارس/آذار الماضي.

 وتتعزز هذه الحالة من الانقسام السياسي بحشد مزيد من الميلشيات والفصائل المسلحة في العاصمة طرابلس والخوف من الصدام العسكري بين حكومتي الدبيبة وباشاغا، إضافة إلى عدم الانسجام الذي دفع البعض للانسحاب من مجموعة 5+ 5، ناهيك عن حديث السفارة الأمريكية في ليبيا بضرورة حماية عائدات النفط والغاز من السرقة، وكلها مؤشرات تقول إن التوافق على مساحة من «القواسم المشتركة» يحتاج مزيداً من الوقت، فما هي التحديات والكوابح التي تحول دون إنهاء «المراحل الانتقالية» المتعاقبة؟ وهل هناك محفزات جديدة يمكن أن تشكل رافعة سياسية و«رقماً صعباً» في معادلة إنهاء عقد كامل من الفوضى والمراحل الانتقالية والبدء في حقبة جديدة من الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية؟

على مدار أكثر من عشر سنوات كاملة عرقلت جماعة الإخوان في ليبيا أي محاولة للانتقال من المراحل الانتقالية إلى دولة المؤسسات الأمنية والسياسية القوية والفاعلة، وشكلت رهانات هذا التنظيم الضيقة والتي تنطلق فقط من حسابات أيديولوجية مرتبطة بالتنظيم الدولي ل«الإخوان»، العقبة الرئيسية في طريق إنتاج مشهد ليبي جديد يختلف عن مشاهد الفترة الماضية.

 وهناك سببان رئيسيان لعرقلة «إخوان» ليبيا أي محاولة للذهاب نحو الدولة المستقرة، الأول يتعلق بأن هذه الجماعة تنتعش وتحقق مصالحها في البيئة السياسية المضطربة والفوضوية، وأن الاستقرار يعني خروج هذه الجماعة من المشهد السياسي، ولهذا تحاول بكل ما تستطيع وبدعم من التنظيم الدولي ل«الإخوان» إبقاء ليبيا بشكل دائم في وضع «عدم الاستقرار»، وتمثل المراحل الانتقالية بيئة مثالية لتحقيق هذا الهدف. والسبب الثاني يتعلق بالمشهد في المنطقة العربية والمغرب العربي الرافض لجماعة «الإخوان»، خاصة مع خسارة «الإخوان» للانتخابات البرلمانية في المغرب التي جرت في سبتمبر/أيلول 2021، كما أن الشارع التونسي لفظهم بعد «عشريتهم السوداء» في الحكم ودعم الشارع لقرارات 25 يوليو/تموز التي أصدرها الرئيس قيس سعيد، وكلها أسباب تجعل التنظيم الإرهابي يتمسك بالفوضى والتخريب باعتبارهما الوسيلة المثلى لبقائهم على الساحة الليبية.

على الرغم من كل الكوابح الداخلية وفشل كل المحاولات الخارجية السابقة فإن التحديات الجديدة التي يعانيها النظام الدولي وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية والمشاكل في سلاسل إمدادات الطاقة والغذاء يمكن أن تحول هذا التحدي الهائل إلى «فرصة كبيرة» للحل السياسي الليبي، ولهذا نحن أمام مجموعة من السيناريوهات وفي مقدمتها، سيناريو «الاستقرار من أجل الطاقة». ففي سبيل البحث عن حلول وبدائل للغاز والنفط الروسي بدأ حوار عميق وجاد بين الدول الأوروبية وفي مقدمتها إيطاليا للاستفادة من ورقة النفط الليبي، الأمر الذي يشكل فرصة لسعي جاد ومختلف وبإرادة سياسية دولية حقيقية لتحقيق الاستقرار السياسي في ليبيا من خلال مزيد من الاستثمارات الغربية في قطاع الطاقة الليبي.

 أما السيناريو الثاني فهو «تعميق الفوضى» عبر توظيف الميلشيات والمجموعات المسلحة في طرابلس للانخراط في مرحلة جديدة من الاقتتال تعزز من انتشار رباعية الإرهاب والجريمة والفقر وتقسيم المؤسسات، أما السيناريو الثالث فهو «النسيان» بمعنى أن تتحول ليبيا لقضية منسية في ظل الانشغال العالمي بالحرب الروسية الأوكرانية والتخوف من تمدد الصراعات إلى دول وأقاليم أخرى حول العالم.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"