عادي

تريم.. كتب بصدق ونزاهة فلم يجامل أو يساوم

مقالاته عكست وطنيته وموضوعيته

00:00 صباحا
الصورة

كان الراحل تريم عمران، قومياً عروبياً، متوازناً في الكلمة والموقف والفعل، غير ميّال لمبالغة من أي نوع، أو لطرف على حساب آخر، أو مغلب مصلحة شخصية على العامة، وفي ذلك جاءت كلماته في جميع مقالاته التي تبنّى فيها قضايا وطنية مختلفة دون انحياز. وكان واضحاً في التعبير عن أرقه من أمر ما أو قضية معيّنة، ولم يكن لحدث من أي نوع، أو لأحد مهما كان، أن يزحزحه عن ثوابته وقيمه ومبادئه ونزاهة فكره، وقناعاته القائمة على حيادية، وموضوعية، ومنطق واضح.

وخلال سنوات السبعينات، ومع بداية قيام الدولة، عبّر الراحل في مقالاته عن أحلامه، وتمنياته وتطلعاته للاتحاد، موجهاً إلى وجوب التكاتف، لتحقيق ما يجب أن يكون لنجاح الدولة الفتية؛ ففي مقال له عام 1971 بعنوان: «هذه الدولة التي نبني»، قال: بعد الاتحاد سيكون العمل ليس عمل حكام، أو أجهزة، سيكون عمل شعوب، عليها أن تبني، وتنمي هذا الأمل، عليها أن تدافع عنه وتحميه؛ فإعلان الاتحاد، يبدو سهلاً، لكن المحافظة عليه هي الصعبة، بل الصعبة جداً في أوضاعنا، فلنتسلح جميعاً بالوعي والإيمان والإصرار، حتى نحافظ على استمرار هذه البذرة الطيبة، ونؤمّن لها المناخ الصالح للنمو، فمثل هذه الدولة تستحق أن نعمل لها حتى آخر حبة عرق، وندافع عنها حتى آخر قطرة دم، لأنها دولة عروبة المنطقة أمانة في عنقها، وكرامة الإنسان أهم أسسها، دولة تقوم على العلم والتخطيط، وعدالة التوزيع، دولة الرجال العرب الأحرار، التي طالما عشنا نحلم بها خلال مسيرة شاقة مظلمة، وصلت بنا اليوم إلى بداية مسيرة شاقة، ولكنها مضيئة.

في مقال آخر بعنوان «الحمد لله» كتب: كنا نؤمن بأن البداية هنا، والبذرة هنا، والنية القادرة الفاعلة هنا، وأننا من هنا نبدأ البدء الصحيح، وبعد ذلك سيقوم التاريخ بدوره، وتكبر النواة الاتحادية وتسير، العمل المطلوب من الرجال يجب أن يكون في مستوى الحلم الذي بات في مخيلة كل إنسان هنا، عمل من أجل دولة هي الحصن الأمامي للأمة العربية، هي المسؤولة عن كل شبر أرض بل ذرة رمل، وعن المستودع الهائل من إمكانيات أمتنا المادية، دولة تتمتع بالوعي، والرخاء والحرية، دولة للأحرار من الرجال، وللعظيمات من النساء، فمرحباً بالشمس تشرق ثانية.

الشيخ زايد وأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد في المجلس الوطني الاتحادي بحضور الراحل تريم عمران تريم رئيس المجلس

«نحن أمام تجارب السنوات»

وفي عام 1971، وفي مقال بعنوان: «نحن أمام تجارب السنوات»، قال: بالنسبة لوحدة الخليج فإننا نؤمن بالوحدة التساعية، بل بما هو أكبر من الوحدة التساعية، ولكن الظروف، والواقع، والمصالح، تجعل ربط مصير المنطقة بهذه القضية خطراً في هذه المرحلة، ولذلك فالبدء المنطقي بوحدة سباعية، بل في بعض الأوقات الثنائية هو الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل، ويجب للدفاع عن فكرة أن نشرك الناس فيها، بحيث تبدو نابعة من مصالحهم، وللدفاع عن نظام يجب أن نضعه في خدمة آمال الناس، لا ضد أمانيهم، ففكرة الاتحاد ارتبطت هنا في أذهان الجميع بأنها مولد الاستقرار، والرخاء، والعزة، في ظل دولة لها دورها العربي والإنساني.

«اتجاه دستوري أم تطويري»

وبهذا السؤال، عما يجب أن يكون عليه الاتحاد، جاء مقال آخر للراحل، قال فيه: اتحاد على أساس دستوري يعني دولة محددة المعالم، قائمة على مؤسسات مخططة الأدوار، وسلطات واضحة المعالم، دولة قائمة على دستور، يعني قائمة على أساس سيادة القانون، فالدستور هو «أبو القوانين» إنه مصدر إلهام المشرّع، وركيزته، والدستور يحدد حقوق المواطن وواجباته، وسلطات الحاكم وحدوده، فلا يسلب المواطن حقه، ولا تتصرف السلطات بلا ضوابط، ولا رقابة، أي أن الدستور يقدم كل ضمانات الحكم المستنير، والمواطن الحر المشارك، وإيجابية المواطن ومشاركته في العمل والبناء، لا يؤمنهما إلا الدستور والقانون، حتى تصبح هذه المشاركة مأمونة، وخاضعه لسلطة القوانين، لا للظروف، وربما الأهواء.

محمد بن راشد والراحل تريم خلال الاعلان عن انطلاق الزميلة صحيفة «الجولف تودي»

«الجامعة وصناعة المستقبل»

وتجلّى اهتمام الراحل تريم عمران، بجامعة الإمارات، صرحاً تعليمياً قادراً على تخريج أجيال مؤهلة علمياً لخدمة الدولة. ومع أول دفعة كانت على وشك التخرج وقتذاك، في مقال بعنوان: «الجامعة وصناعة المستقبل» قال: من بين الكثير من المؤسسات التي بنيناها، الجامعة وحدها تبقى الاستثمار المضمون المردود، فهناك يصنع الإنسان الغد والوطن الصغير، يعيش وعينه على هذا الصرح الأمل، وأذنه تحصي نبضاته، وقلبه ملهوف ومشفق. والذي يريد أن يرى وطن القرن القادم، عليه أن يبحث عنه في العين، بين القاعات والمعامل والمدرجات، وخلال مناقشات ساخنة متحمسة، فياضة بالأحلام والطموحات، والأخطاء طبعاً، «لا بأس» ولكنها ليست خطايا، جامعتنا اليوم تعيش مرحلة القلق الخلاق، حيث أول دفعة بين أبنائها توشك على التخرج، قدم في الجامعة وحرم العلم، والأخرى في الحياة وميادين البناء، فالجامعة مؤسسة هدفها إعداد القادة الأحرار ذوي الكفاية، يتدربون في جنباتها على ترشيد المسؤولية، وشرف العلم، وصدق التوجيه.

«جزر عربية ولو غضبوا»

والاعتزاز بالجزر الإماراتية، وتأكيد أنها حق أصيل للدولة، جاء في مقال للراحل بعنوان: «جزر عربية ولو غضبوا» قال فيه: إننا لا نتنازل عن حبة رمل واحدة من أرضنا مهما كان الثمن، وحتى لو كانت إيران محكومة بملائكة منزّلين من السماء، فإن موقفنا ثابت، ولن يتغير من حقيقة أن الشعب الإيراني الذي حقق الثورة بدماء أبنائه، قادر على تصحيح مسارها، والقضاء على المنحرفين الذين أرادوها انقلاباً شوفينياً أعمى يحق الباطل، ويبطل الحق.

سلطان يكرم صحيفة الخليج ويتسلم التكريم الراحل تريم عمران

«ومر عام»

وعقب احتجاب «الخليج» عشر سنوات، وعودتها لمواصلة مشوارها الإعلامي كتب الراحل في مقال بعنوان «ومر عام» قال فيه: قالوا «الخليج» تعود لتكون للشارقة فقط، وإنها حطب يلقى على نار، ولو حدث ما قالوه فلا كانت «الخليج» ولا كنّا، وبقينا، والحمد لله، صوتاً وحدوياً، وكانت قضيتنا مع كل صباح دستوراً اتحادياً دائماً، يلغي فواصل مصطنعة بين مواطن ومواطن، ويضع في أيدينا بندقية واحدة. وقالوا عنا يساريين، ودعوناهم وقتها أن نتفق معاً على معنى اليسار، وقلنا إذا كان التوحيد والوحدة يساراً، فنحن معه، وإذا كان العدل والشورى يساراً، فنحن معه. ولعلهم اليوم وثقوا أن الألغام التي زرعوها لم تخف مسيرة واضحة، لا تخفي وجهها عن أحد، و«الخليج» ستكون اليوم كما ستكون غداً، وبعد غد، حريصة على كل طوبة في الصرح الذي شاركت في بنيانه، ستكشف السلبيات، وسوف تتصدى لكل من يحدث خدشاً باتحادنا، وإنساننا، وأمتنا، وسلامنا.

إلى قارئ «الخليج»

في رسالة إلى قراء «الخليج»، قال الراحل في مقاله «إلى قارئ الخليج»: نشعر بأن علينا مهمة ملحّة هي في التمسك أكثر بخياراتنا السياسية التي تنطلق من ثقتنا بأمتنا وأصالتنا، ومن تيقننا بحتمية نهوضها، لوضع مسار حياتها في الاتجاه الصحيح، المتسق مع حقائق وجودها، ونشعر بأن علينا تقديم المزيد مهنياً، ومواكبة تقنيات العمل الإعلامي التي تتغير بسرعة كبيرة، وأن علينا أن نتطور مؤسسياً، بتوسيع إصدارات «دار الخليج» للصحافة والطباعة والنشر، لتشمل إضافة «للخليج» اليومية، مطبوعات متخصصة يحتاج إليها مجتمعنا، وتفتقدها منطقتنا. منذ عادت «الخليج» للصدور، قطعت على نفسها عهداً بأن تكون استمرار ل «الخليج» الأولى، التي حملت راية وحدة الإمارات، ودول المنطقة العربية، والدول العربية كافة، وقطعت عهداً بأن تكون الحقيقة هاجسها الأول والأخير، إن لم تستطع قولها، فلن تقول عكسها.

الصورة
الصورة

 

الصورة

 

الصورة