في مواجهة التغول الأمريكي

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

بعد الحرب العالمية الثانية، استطاعت الولايات المتحدة، أن تفرض هيمنتها على العالم، لأسباب كثيرة، عسكرية واقتصادية وعلمية. ومن المفارقة أن بعضها أسباب أخلاقية، من خلال متاجرتها بشعارات براقة، مثل تبنيها حقوق الإنسان، وتصوير نفسها رائدة للحرية في العالم، يضاف إلى ذلك بعد الولايات المتحدة عن ساحات الصراع العسكري إلى حد ما خلال الحرب العالمية الثانية، ما قلل خسائرها في تلك الحرب المدمرة، مقارنة بالدول الأخرى، ناهيك عن سلامة بنيتها التحتية بسبب البعد الجغرافي. ففي حين تقدر خسائر العالم في هذه الحرب بأكثر من 60 مليون قتيل لم تخسر الولايات المتحدة أكثر من 291 ألفاً من القتلى في هذه الحرب التي انتهت بالانتصار على النازية، وتسيد الحلفاء المنتصرين على العالم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي خرجت القوة الأكبر بعد هذه الحرب.
 وبدلاً من أن تستثمر قوتها الاقتصادية والعسكرية في ترجمة ما طرحته من أفكار وخاصة بعد جهودها لتشكيل عصبة الأمم المتحدة، راحت الولايات المتحدة، تزيد من قوتها العسكرية، لفرض هيمنتها على العالم، وتسخيرها لخدمة مصالحها الإمبريالية، حتى بات معظم ساستها ووزراء خارجيتها المهندسين الفعليين للانقلابات العسكرية، والاضطرابات في الكثير من دول العالم، كما أنها باتت تربط مساعداتها للدول الأخرى، بمدى خضوع هذه الدول لسياساتها، وتنفيذ أجنداتها على مستوى العالم كله، وباتت الإدارات الأمريكية ترى في كل مكان حيوي، أو غني بالثروات الطبيعية على وجه الكرة الأرضية جزءاً من أمنها القومي.
 وكان من الطبيعي أن تولد في ظل هذا الواقع مرحلة مهمة من الصراع العالمي، التي يطلق عليها الحرب الباردة، وظهور مفاهيم جديدة مثل التدخل المسلح وتغيير الأنظمة وانتهاك سيادة الدول، تحت ذرائع تختلقها واشنطن لتمرير مخططاتها وتأمين مصالحها.
 ومن يتابع العقود السابقة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، التي شهدت الهيمنة الأمريكية بأوضح صورها، يلاحظ أن واشنطن قادت العالم بالتعاون مع القوى الغربية الأخرى، إلى حروب كارثية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر الحرب في فيتنام إلى أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، والآن في أوكرانيا.
 وبدلاً من أن يسهم انهيار الاتحاد السوفييتي، في تخفيف الصراع في العالم على اعتبار أنه كان يمثل أحد طرفي الصراع في الحرب الباردة، نلاحظ أن الولايات المتحدة وخلفها القوى الغربية، راحت تسعى إلى المزيد من السيطرة وخلق صراعات جديدة مع القوى الصاعدة في العالم، وعلى رأسها الصين وروسيا، بل وسعت إلى التوسع من خلال قوات حلف الناتو نحو روسيا، وصياغة تحالفات عسكرية، مع دول محيطة بالصين من أجل تطويقها أيضاً.
 ومن الطبيعي في ظل هذا التغول الأمريكي أن تستشعر روسيا والصين الأخطار المحدقة بهما، والتي تعتبر السبب الرئيس في ما تشهده الساحة الأوكرانية حالياً، ما اضطرهما لتعزيز تحالفهما، ولعل هذا يظهر جلياً في المناورات الجوية الروسية الصينية، التي جاءت على وقع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، وحضوره قمة تحالف «كواد» الرباعي في طوكيو، وتصريحاته المثيرة للجدل حول استعداد واشنطن للتدخل عسكرياً ضد بكين في حال مهاجمتها تايوان.
 ورغم إعلان وزارة الدفاع الروسية أن هذه التدريبات كانت معدة مسبقاً، وأنها ليست موجهة ضد أي طرف آخر، إلا أن المراقبين يرون فيها رداً مشتركاً من موسكو وبكين على التحركات الأمريكية في هذا الجزء من العالم.
 وبحسب هؤلاء المراقبين فإن العالم يبدو الآن أمام تشابك وتداخل معقدين للملفات الدولية الساخنة، ولا سيما الأزمة الأوكرانية والمواجهة الروسية الأطلسية على وقعها، وملف تايوان والمواجهة الصينية مع واشنطن، لا سيما أن موسكو وبكين تعارضان وبشكل واضح أي توسع للحلف الأطلسي.
 أمام هذا الواقع، يبدو أن النظام العالمي على الطريقة الأمريكية، يهدف فقط إلى استمرار الهيمنة الأمريكية وإلحاق الضرر بكل من الصين وروسيا، وخلق صراعات وحروب تسهم في استنزاف طاقات البلدين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"