الأجواء المغلقة

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو أن ما تمارسه الدول الغربية تجاه روسيا بتحريض من واشنطن، أفقد هذه الدول الكثير مما تفرضه العلاقات الدولية، وحتى اللباقة الدبلوماسية في التعامل مع القضايا الحساسة والمهمة، وجعلها تتصرف بشكل ليس مخالفاً لأبسط القواعد الدبلوماسية فحسب، وإنما بشكل يكشف أهداف الغرب، وسعيه لإطالة أمد الأزمة الأوكرانية، بهدف إرهاق روسيا، على الرغم مما تعلنه عن رغبتها في حل هذا الصراع الذي بات يهدد بشكل خطر الأمن والسلام العالميين. ففي حادثة تعد نادرة في العلاقات الدولية، أقدمت ثلاث دول أوروبية وهي بلغاريا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود، على إغلاق مجالها الجوي أمام طائرة كان يفترض أن تقل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى صربيا في زيارة كان من المقرر أن يلتقي خلالها الرئيس الصربي ألكسندر فويتشيتش، ووزير الخارجية نيكولا سيلاكوفيتش، وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الصربية بورفيريجي.
 ومع أن هذه الخطوة تمثل إساءة متعمدة لروسيا، جاءت بالتأكيد بتحريض أمريكي، لكنها في الوقت ذاته تعد مساساً بسيادة دولة مستقلة هي صربيا، وهو ما ذهبت إليه روسيا عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي أكد أن ما جرى ما كان من الممكن تخيله، مؤكداً أن هذا الإجراء المخالف للأعراف الدولية حرم صربيا وهي دولة ذات سيادة من حقها في المضي قدماً بسياستها الخارجية «مندداً بما عدّه عملاً مشيناً».
 وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي عقده بشكل عاجل عبر الإنترنت: إن ما حصل ما كان من الممكن تخيله، وأضاف أنه بهذا الإجراء المستهجن حُرمت دولة ذات سيادة من حق المضي قدماً في سياستها الخارجية.
 وتذرعت هذه الدول في تبرير خطوتها هذه بالعقوبات التي فرضتها بروكسل على روسيا، معتبرة أن القرار مطابق للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا.
 وأوضح المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن «أعمالاً عدائية كهذه ضد روسيا، يمكنها أن تتسبب بمشاكل معيّنة»، مشيراً إلى أنه لا يمكن منع الدبلوماسيين الروس من مواصلة أعمالهم.
 من جانبه، أعلن السفير الروسي لدى بلغراد، ألكسندر بوتسان خارتشينكو أن سكان صربيا عبروا عن غضبهم من إلغاء زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى بلادهم على خلفية تصرفات الغرب، فيما شهدت العاصمة الصربية بلغراد مسيرة حاشدة دعماً لروسيا، رفع خلالها المتظاهرون شعارات مناهضة لتوسع الناتو وانضمام بلادهم للاتحاد الأوروبي.
 ويبدو أن هذا القرار المتسرع لهذه الدول لم يلق استهجاناً من موسكو فقط، وإنما داخل هذه الدول نفسها؛ حيث طالب رئيس لجنة الشؤون الدولية في برلمان الجبل الأسود ميودراغ ليكيتش حكومة بلاده بتوضيح أسباب قرارها منع مرور طائرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأجواء البلاد، متجهة إلى صربيا.
 وقال ليكيتش إنه وبصفته نائباً في البرلمان ورئيساً للجنة العلاقات الدولية وشؤون المهاجرين، يدعو أجهزة الدولة بما فيها الحكومة لتحيط المجتمع في الجبل الأسود علماً بذلك بشكل شفاف، مضيفاً أنه وفقاً لمبادئ الديمقراطية وعلى خلفية الوضع في أوكرانيا، ينبغي على قيادة البلاد أن توضح للمجتمع قراراتها.
 وتساءل ليكيتش عمّا إذا اتخذ أي جهاز حكومي قراراً رسمياً بمنع طائرة الوزير الروسي من المرور، وفي أي اجتماع، معيداً إلى الأذهان أن أغلبية دول الاتحاد الأوروبي تدعو إلى «حل دبلوماسي للأزمة في أوكرانيا وتشارك في اتصالات تفترض رحلات للطائرات».
 والحقيقة أنه وبمعزل عن البحث في مدى مخالفة قرار الدول الأوروبية الثلاث للأعراف الدبلوماسية، وأثره في المساعي الرامية إلى حل الأزمة الأوكرانية بالطرق السلمية، فإن هذا القرار يثبت من جديد عدم جدية الدول الغربية، ويؤكد الشكوك حول صحة مزاعمها بشأن جديتها في الدعوة إلى وقف الحرب، على الرغم من استمرار هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، بإغراق أوكرانيا بشحنات الأسلحة المتطورة والفتاكة، ما يعني عملياً عرقلة أي جهود مخلصة لحل هذه الأزمة بطرق سلمية، وزيادة المخاطر التي باتت تهدد الكثير من دول العالم، ولا سيما فيما يتعلق بالأزمات الغذائية المحتملة في حال استمرارها.
 لكن من يتابع تطورات الأوضاع يدرك بوضوح أن الغرب ليس معنياً أبداً بما قد يطال العالم من أزمات، وإنما همه الوحيد هو استمرار الهيمنة الغربية على العالم، انطلاقاً من أنانية ضيقة بغيضة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"