عادي

«الرغيف».. بين الحصار والاحتكار

22:56 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - بنيمين زرزور:
تتناهب عالم اليوم قوى عاتية تسعى لإحكام سيطرتها على مقدراته في غياب الوازع الأخلاقي والرادع القانوني، وكأن شعوب العالم لم يكفها ما عانته من تبعات وباء كورونا حتى تأتي أزمة الغذاء لتجهز على ما تبقى لهذه الشعوب من أمل في البقاء على قيد الحياة.

على الرغم من التحذيرات المتتالية التي تصدر عن المنظمات الدولية والتي كان آخرها تحذير منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» من أن 220 مليون شخص يواجهون خطر الجوع بحلول نهاية هذا العام، ومناشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، دول العالم الفاعلة من ستوكهولم باتخاذ إجراءات حاسمة من أجل ضمان تدفق مستمر للغذاء والطاقة، فيما تزعزع الحرب في أوكرانيا استقرار أسواق السلع الاستراتيجية العالمية، إلا أن مثل هذه الأصوات لم تعد تسمع وسط ضجيج آلة الحرب والصخب الإعلامي المصاحب لها.

ومن المؤكد أن تبادل الاتهامات بين الغرب والروس حول المسؤولية عن نقص إمدادات الحبوب وما يستتبعه من كوارث غذائية، سوف يستمر باعتباره يدخل في صلب حملات الدعاية والدعاية المضادة التي تتطلبها ظروف المواجهات العسكرية وما يرافقها من تقارير مغرضة لتبرئة ساحة كل طرف.

ويبقى الجانب الأسوأ في هذه المعمعة أنها تسدل الستار على دور قوى السوق السلبية والاحتكارات العالمية في نقص المعروض من الحبوب في الأسواق العالمية باعتبار أن مثل هذه الأزمات هي فرصتها الذهبية لإشباع نهمها. ويحمل خبراء الاقتصاد مثل هذه القوى مسؤولية أكبر في صنع الأزمات سواء في أسواق القمح أو غيره من السلع الاستراتيجية، تفوق مسؤولية الدول المتحاربة.

إنتاج القمح

وينتج العالم حالياً قريباً من 780 مليون طن من القمح سنوياً مقارنة مع 592 مليون طن عام 1990، وتحتل الصين المركز الأول على قائمة المنتجين؛ حيث يبلغ حجم إنتاجها 132 مليون طن سنوياً، بينما تأتي الهند في المرتبة الثانية بإنتاج 93 مليون طن سنوياً.

ومن الواضح أن روسيا وأوكرانيا ليستا في أعلى القائمة على الرغم من أن حصتهما من الإنتاج مجتمعة تعادل نسبة تتراوح بين 25 و30% طبقاً لمعايير يتحكم فيها الطقس وظروف الإنتاج المحلية الأخرى. وهذا يثير تساؤلات حول الضجة المثارة عن مسؤولية الروس التي يتحدث عنها الغرب حول التسبب بكارثة غذائية، وهو ما تنفيه موسكو التي تقول إن العقوبات التي فرضت عليها هي التي تتسبب بتفاقم الأزمة.

والحقيقة أن سلاح العقوبات الذي استخدمته واشنطن وتستخدمه ضد الكثير من الدول لتحقيق أغراض سياسية، تسبب في الماضي بعدد من الأزمات على مستوى العالم خاصة في أسواق الطاقة وارتفاع أسعار السلع الرئيسية.

وفي ظل الأزمة الحالية يجد العالم نفسه، سواء دوله الفقيرة أو الغنية، في مواجهة تعقيدات أزمة متشابكة ارتبط فيها رغيف الخبز برفع العقوبات ورفع العقوبات بوقف الحرب ووقف الحرب بضمان الأمن القومي، في دوامة لا نهاية لها.

ونظراً للحساسية التي تمتاز بها أسواق السلع الرئيسية فإن الأخبار الإيجابية تدفع الأسعار صعوداً وهبوطاً في حركة سريعة، ما يبعث على بث روح التفاؤل نسبياً.

فقد انخفضت أسعار القمح في بورصة شيكاغو للتجارة بداية يونيو/حزيران إلى أدنى مستوى لها في شهرين تقريباً؛ إذ تأثرت إيجابياً بالمحادثات الدبلوماسية الرامية إلى فتح الموانئ الأوكرانية، في حين زادت تقارير حول موسم قمح ممتاز في أستراليا وهطول الأمطار على سهول القمح في الولايات المتحدة، الضغوط على الأسعار ودفعتها هبوطاً؛ حيث انخفض سعر القمح تسليم سبتمبر/أيلول إلى ما دون 400 يورو للطن.

الممرات المائية

ويدخل عامل فتح الممرات المائية بقوة على خط تأرجح الأسعار وسط تقارير عن وجود 20 مليون طن من القمح الأوكراني جاهزة للتصدير في حال فتح الموانئ.

وقد أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا مستعدة للتعاون مع تركيا لتأمين حرية شحن السلع في البحر الأسود بما فيها صادرات الحبوب الآتية من الموانئ الأوكرانية. وقد أسفرت الوساطة التركية قبل يومين عن اتفاق مبدئي لنقل الحبوب عبر ميناء أوديسا الأوكراني على البحر الأسود ومنه إلى الموانئ الأوروبية. لكن الغرب يريد وضع «الممرات الآمنة» تحت رعاية الأمم المتحدة بغية تقديم «ضمانات أمنية مشروعة» لأوكرانيا التي ينبغي أن تبدأ في إزالة الألغام من ميناء أوديسا. لكن هذه الألغام التي زُرعت بهدف الدفاع عن المدينة ومنع أي هجوم بحري روسي، تحول دون مرور ناقلات البضائع والسفن.

وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن أحد كبار ممثلي المنظمة، التي تحاول التوسط في اتفاق لتأمين تصدير الحبوب الأوكرانية والأغذية والأسمدة الروسية، أجرى مناقشات بناءة في موسكو.

الغذاء والعقوبات

لكن الحذر بشأن حدوث انفراجة دبلوماسية لا يزال سيد الموقف؛ إذ تدعو موسكو إلى تخفيف العقوبات مقابل معاودة فتح الموانئ الأوكرانية، وهو مطلب ترفضه كييف وحلفاؤها الغربيون.

وتتحدث بعض دول أوروبا وثيقة الصلة بأزمة الغذاء عن أن الاتحاد الأوروبي يدرس محاولة نقل كمية أكبر من الحبوب الأوكرانية براً وتحسين البنى التحتية التي تخدم هذا الهدف. وهذا مؤشر على أنها تخلت عن نقلها عبر البحر الأسود تجنباً لأزمات مستقبلية.

وتفاعلت أسواق الحبوب سلباً مع تقارير تتحدث عن تراجع كمية الحبوب الأوكرانية بمقدار الثلث فيما يخص القمح، والنصف بالنسبة إلى الذرة، على الرغم من أن هذه الكميات أفضل مما كان متوقعاً في ظروف الحرب. لكن ستبقى الأسعار مرتفعة حتى تطمئن قوى السوق على إمكانية تصدير هذه المحاصيل.

والمفارقة أن المزارعين الأمريكيين والفرنسيين مستفيدون من هذه التطورات بينما يتضرر نظراؤهم الروس بسبب فرض موسكو الضرائب على الصادرات العام الماضي، والتي تصل إلى 70 % من العائدات التي تزيد على 200 دولار للطن من القمح. واليوم، يخسر المزارعون الروس 30 % من عائداتهم بسبب هذه الضريبة. من جانبها قالت رابطة الحبوب الأوكرانية إنه من المتوقع أن تشهد أوكرانيا تراجعاً في إنتاج القمح بنسبة 40 % لموسم 2022-2023 فيما يتوقع أن تنخفض الصادرات بنسبة 50 % بسبب الحرب مع روسيا.

ويرى المحللون أن الكرة اليوم في ملعب الأوروبيين الذين يمكنهم تخفيف العقوبات على روسيا بما يضمن فتح الممرات قبل أن تقضي المجاعة على شعوب الأرض الأشد فقراً خاصة في القارة الإفريقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"