عادي
أكد في حوار مع «الخليج» فخره بتمثيل الوطن

صالح العامري .. أول إماراتي يحاكي الفضاء في «سيريوس 21»

00:19 صباحا
قراءة 8 دقائق
صالح يؤدي إحدى التجارب العلمية

حوار: يمامة بدوان
أكد صالح العامري، رائد محاكاة الفضاء، شعوره بالفخر والاعتزاز لتمثيل الوطن في أول مهمة إماراتية لمحاكاة الفضاء بالمجمع التجريبي الأرضي، في معهد الأبحاث الطبية والحيوية في «أكاديمية العلوم الروسية» بالعاصمة موسكو، في ظل إجراء التجارب العلمية، وكيفية التحكم بالمركبات الفضائية والذراع الروبوتية وتحليل عينات القمر، وغير ذلك.

وقال في حوار مع «الخليج» خلال تأديته لمهمة «سيريوس 21»، التي من المقرر أن تنتهي في الثالث من الشهر المقبل، إن الإمارات ستحقق استفادة لا نظير لها من المهمة، التي ستسهم في فتح مجالات علمية جديدة والتخطيط لمهمات الفضاء الطويلة سواء إلى المحطة الدولية أو القمر أو المريخ، وهو ما يبرز الهوية والقيم الإماراتية ضمن طاقم علمي وعالمي.

وأوضح أن ممارسة التمارين الرياضية اليومية لمدة ساعتين، كفيلة بتحسين العامل النفسي للطاقم داخل العزل، إلا أن وجود طاقم الاحتياط في المحطة الأرضية، وتحديداً زميله عبدالله الحمادي، أسهم في تخطيه لكثير من الصعوبات. كما أن وجوده في «كبسولة العزل» طوال هذه المدة، أكسبه مهارات تقدير الحياة الطبيعية وتنظيم الأعمال والأخذ بالقيادة لتحقيق النجاح، إلا أن أكثر المواقف حزناً تمثل في تلقيه نبأ وفاة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، حيث كان وقعه صدمة، بالمقابل وفي مساء اليوم نفسه، بلغه نبأ ولادة طفلته الأولى، التي أطلق عليهم اسم «شمّا». وفي ما يأتي الحوار:

1
صالح العامري لحظة بدء «المهمة رقم 1»

* هل شعرت بالندم لأداء المهمة، خاصة أن مدة العزل 8 أشهر، من دون أي تواصل مباشر مع العالم الخارجي؟

بالتأكيد لا، ففي كل يوم يتزايد داخلي الشعور بالفخر والاعتزاز لتمثيل الوطن في أول مهمة إماراتية لمحاكاة الفضاء، كنت أعدّها فرصة حقيقية لتجربة وتعلم أشياء جديدة في الفضاء، كالتجارب العلمية، والتعرف إلى الطاقم من قرب، والعمل معهم ومهارات التواصل مع غرفة العمليات، وكيفية التحكم بالمركبات الفضائية والذراع الروبوتية وتحليل عينات القمر، وتغيير نمط الحياة لمدة 8 أشهر، كتنظيم أوقات النوم والاعتماد على الطعام الصحي وممارسة الرياضة ساعتين يومياً، وكتابة المهام والأهداف، والانعزال بعيداً عن العالم الخارجي ووسائل التواصل، فهي تجربة مميزة وفريدة.

مهارات مشتركة

* ما المهارات التي اكتسبتها حتى الآن؟ وكيف يمكن استفادة الإمارات منها بالمستقبل؟

الكثير من المهارات في الحقيقة، منها ماهو مشترك مع أفراد الطاقم كتنظيم الأعمال والتعاون والعمل فريقاً، والأخذ بالمبادرة والقيادة والإصرار على النجاح، ومنها على الصعيد الشخصي، كالتفاؤل والإيجابية ووضع الأهداف واستغلال الوقت بما هو مفيد. من أهم المهارات التأقلم والمرونة وتقبل التغييرات إيجابياً، على سبيل المثال في أقل من 6 أشهر انتقلت من قطاع النفط والغاز الى قطاع الفضاء، ومنها إلى روسيا ومنها إلى العزلة عن العالم الخارجي. كما أنه في العزلة ومهما تكن الأوضاع المحيطة، يبدأ التغيير من تغيير الأفكار وتقبل الواقع، وبذلك تتحسن الحالة النفسية والإنتاجية في العمل.

وبالتأكيد دولة الإمارات ستحقق استفادة لا نظير لها من إجراء التجارب العلمية وإثراء المجتمع العلمي القائم على بناء اقتصاد مبني على المعرفة، وفتح مجالات علمية جديدة والتخطيط لمهمات الفضاء المستقبلية الطويلة أيضاً سواء إلى محطة الفضاء الدولية أو إلى القمر والمريخ، والعمل ضمن طاقم علمي وعالمي وإبراز الهوية والقيم الإماراتية بشكل خاص، والثقافة العربية والإسلامية بشكل عام.

تجارب علمية

* كيف تنظر إلى التعاون بين أفراد الطاقم بإجراء التجارب العلمية؟

التعاون كان جميلاً جداً، وبعض التجارب تكون فردية وبعضها الآخر يتطلب العمل شخصين أو مجموعة، وفي بعض الأحيان نواجه بعض المشكلات أثناء إجراء بعض التجارب العلمية، ما يتطلب الاستعانة بخبرات بعض أفراد الطاقم، وهي كانت فرصة للتحدث والتعارف فيما بينننا. ففي إحدى المرات واجهت عطلاً في حاسوبي المحمول، أثناء إجراء تجربة قياس نسبة التوتر في العزلة، فقدم لي أحد أفراد الطاقم المساعدة بحكم تخصصه مهندس تقنية المعلومات في حل العطل دون قضاء وقت أطول في البحث عن حل للمشكلة. وعندما يشتكي أحد أفراد الطاقم من مشكلة صحية، ننفذ مهامه اليومية في المحطة بالنيابة عنه دون طلب منه، كوننا على يقين بأن الجميع من أجل الفرد، والفرد من أجل الجميع.

تحفيز إيجابي

* وكيف أثّر فيك تعاون عبد الله الحمادي ودعمه، خلال المهمة؟

أخي وزميلي عبدالله، بذل الكثير من الجهد لمتابعة الحالة الصحية والنفسية لي أثناء المهمة، فكان وجوده في غرفة العمليات مهماً وضرورياً جداً، كتقديم الدعم النفسي والتحفيز بالكلام الإيجابي، والسؤال بين الحين والآخر عما إذا كنت في حاجة لبعض الأمور داخل المحطة، ومناقشة أدائي ومستوى اللياقة بين فترة وأخرى، لاسيما أنه على دراية كاملة بجميع الاختبارات والتجارب العلمية، كذلك لا يمكن التغاضي عن دوره في الإشراف وتجهيز الشحنات، حيث شكل وجوده دافعاً ومحفزاً لي، للاستمرار بتأدية الأفضل طوال العزل. كما كان التواصل بالطبع عبر إرسال مقاطع فيديو قصيرة من غرفة العمليات، ومشاركة بعض الأخبار المحلية والعالمية.

الأسرة والأصدقاء

* ما الذي افتقدته أكثر في تواصلك مع أفراد الأسرة والأصدقاء؟

في الحقيقة الجلسات معهم مثل التجمع الأسري الأسبوعي يوم الجمعة، والمناسبات الأخرى كشهر رمضان وعيد الفطر وبعض الإجازات السنوية، أما أكثر ما افتقدته مع الأصدقاء، فكان القيام ببعض الهوايات كالغوص والقفز الحر بالمظلات والخروج والمبيت في البر أيام الشتاء.

إلا أن العمل اليومي داخل المحطة، في ظل وجود المعدات والتجارب العلمية والتأقلم على المساحات الصغيرة والانعزال لمدة طويلة، جعلني أقدر قيمة الأشياء التي اعتدت على رؤيتها في الواقع، وجمالها، خاصة أشعة الشمس والطبيعة والأهل والأصدقاء والهوايات التي أمارسها.

أحداث عالمية

* الأحداث العالمية القريبة منك، ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، هل كنت على اطّلاع عليها مباشرة، أم عبر فريق الدعم؟

فريق الدعم في المحطة الأرضية لا يشارك أية أخبار أو معلومات قد تؤثر في نفسية الطاقم سلبياً، لذلك لم نستقبل أي خبر عن موضوع الحرب، وكأن الأمور تسير كالمعتاد، حتى لم يتأثر سير العمل في غرفة العمليات، لكن في الواقع كنت أسمع بعض الأخبار عن الحرب من أفراد الطاقم التي تصل إليهم من ذويهم أو من أصدقائهم بشكل غير مباشر عن طريق التواصل بالبريد الإلكتروني، الجميل في الموضوع أنه لم تتأثر علاقة الطاقم ببعض جراء الأحداث الخارجية، كوننا كنا نؤدي مهمة كبيرة وهدفها خدمة البشرية، لذلك لم تشغلنا أخبار الحرب والعالم عن أداء وتماسك الطاقم في المهمة حتى في أسوء الأحداث.

مواقف حزينة

* ما أكثر المواقف التي تعرضت لها، الحزينة أو المفرحة؟

في 13 مايو الماضي، كنت في الوحدة القمرية مع اثنين من أفراد الطاقم، نعمل على تجهيز لعمليات السير على سطح القمر، وما زلت إلى الآن أتذكر عندما وصلني ظهراً خبر وفاة المغفور له الشيخ خليفة، رحمه الله، حيث كان وقع الخبر كالصدمة، ولكن إيماني بقضاء الله وقدره والصبر في كل الأحوال له ثواب وأجر عظيم.

وفي اليوم نفسه مساءً، وصلني خبر من أهلي أن الله رزقني بمولودتي الأولى، فسميتها شمّا، وكانت في أتم الصحة والعافية، وهو ما شكل لي دافعاً قويا للاستمرار في تحفيزي لأداء المهمة، من أجل رفع اسم الإمارات عالياً.

أوقات الفراغ

* كثرة التجارب العلمية التي أجريتها، هل تركت لك مساحة للقيام بهوايات معينة، أم أن الوقت لم يسعفك؟

هناك الكثير من الأمور التي نقوم بها داخل العزلة، كالتجارب العلمية وممارسة الرياضة لساعتين، والقيام بأمور الصيانة والنظافة في المحطة، والتواصل مع غرفة العمليات لمرتين على الأقل يومياً، في الصباح والمساء، والتواصل مع الأهل والأصدقاء بين وقت وآخر، إلا أنه في أثناء أوقات الفراغ نقوم في العادة بأشياء مفيدة ومختلفة عن باقي الأمور اليومية، كقراءة الكتب، ومشاهدة الأفلام الواقعية ولعب الشطرنج، وحل الألغاز وبعض الألعاب الأخرى، وفي بعض الأحيان نتحدث ونتعلم كلمات ومصطلحات عن بعض اللغات التي يتحدثها أفراد الطاقم، مثل العربية والروسية والانجليزية والألمانية والبولندية.

نصيحة للشباب

* ما النصيحة التي تقدمها لشباب الإمارات والعرب، ليصبحوا رواد محاكاة فضاء؟

عليهم البحث عن شغفهم، واختيار ما يحبون القيام به، فالعالم مملوء بالفرص والنجاح يتسع للجميع، لذلك عليهم ألا يشعروا بأن بعض الأمور صعبة الأداء، لأن أسهل طريق للفشل هو عدم المحاولة، مع ضرورة الثقة بقدراتهم والإصرار على الوصول إلى تحقيق أهدافهم.

كما يتوجب على الشباب الذين يسعون لأن يكونوا رواد محاكاة فضاء التركيز على 5 عناصر أساسية، وهي الشغف، الصبر والإرادة، والاستعداد للتعلم، الصحة العقلية والنفسية والبدنية، والتعاون وروح الفريق.

«روتين» ما بعد الخروج من العزل

1
محمد بن نشوق

قال المهندس محمد بن نشوق، مدير مشروع الإمارات لمحاكاة الفضاء، إن فور خروج العامري، من العزل، الذي دام 8 أشهر، سيخضع لفحص طبي شامل لنحو الشهر، للاطمئنان على حالته الصحية، وتزويد جسمه بما يلزم في حال احتاج إلى ذلك، حيث إنه في الأسبوع الأول من هذا الشهر، ستكون الفحوص مكثفة، وسترتكز على الجانبين النفسي والجسدي، كفحص التوازن أو المهارات الجسدية وغيرها، التي تسهم في التنبّؤ بما قد يحصل لجسم الإنسان في حالة العزلة الطويلة كما في الرحلات الفضائية. كذلك سيستكمل طاقم المهمة التجارب العلمية خارج المحطة، لرؤية اختلافات النتائج، لكن في الوقت نفسه، سيحظى الطاقم بالحرية مجدداً للتنزه خارج المحطة والعيش حياة طبيعية.

وأضاف أن أبرز شكاوى الطاقم، تمثلت في النظام الغذائي، ومن أجل ذلك كانت تُغيّر في كل شحنة ترسل لهم، تفادياً لإصابتهم بالملل من تكرار الوجبات. كما يجري تزويد الطاقم بسلسلة من الكتب الإلكترونية والملموسة، وبعض الألعاب الجماعية، لتمضية أوقات الفراغ خارج الأبحاث العلمية، كذلك أسهمت ممارسة التمارين الرياضية اليومية والزراعة في تحسين العامل النفسي لهم.

إجراءات يومية في المحطة الأرضية

1
عبدالله الحمادي يواصل تقديم الدعم للطاقم من المحطة الأرضية

قال عبدالله الحمادي، رائد محاكاة الفضاء الاحتياط، إن تجربته في المحطة الأرضية، فريدة وجديدة بالنسبة للفريق بشكل عام، لما فيها من تحديات وصعوبات، في ظل التعامل مع طاقم مكون من أفراد عدة، لكل منهم شخصيته المستقلة والمختلفة. كما أنه وبحكم المدة الطويلة للمهمة، كان عليّ الإعداد النفسي الجيد للتركيز وحل المشكلات اليومية وإيجاد الحلول لها بأسرع وقت.

وأوضح أن الإجراءات اليومية لدخول المحطة، تتمثل في تسلّم الملفات والتقرير اليومي، والنظر إلى جدول أعمال الطاقم، وبالأخص التجارب العلمية وتهيئة الطاقم لها وكيفية تنفيذها، بشكل يسهل على الطاقم فهم التجربة وإجراؤها بكل أريحية، وخاصة أنه في بعض التجارب يكون فيها التكرار، ما يستدعي وجود نوع من عدم التركيز الذي ينعكس على النتائج لهذه التجربة.
مفاجآت فكاهية لدعم الطاقم الأساسي

أكد عبدالله الحمادي، أهمية دوره في تهيئة صالح العامري داخل العزل، وتوفير الدعم النفسي والعقلي له، ما يسهم في رفع من مستوى التركيز خلال تأديته للتجارب بكل سلاسة ونجاح، وتقديم النصح والإرشاد بكيفية التعامل مع الأحوال التي قد يواجهها أثناء العمل.

وعن الدعم المعنوي والنفسي الذي يقدمه لزميله صالح، وكيفية تأثيره في الطاقم، أوضح أن نجاح المهمة يكمن في التعامل بشكل مباشر مع الطاقم، بالتواصل اليومي، وتقديم بعض المفاجآت الفكاهية، خاصة في أوقات فراغهم، ما يشعرهم بأن طاقم الاحتياط من الرواد موجود دائماً لأجل دعمهم في المهمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"