عادي
أعماله تضخم تشوهات الإنسان على الخشبة

خوسيه مورينو.. المسرح مرآة مقعرة

17:54 مساء
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»
المسرح لا يغير الواقع مباشرة، لكنه يثير جدلاً، يفتح العيون على المشكلات القائمة والكامنة، ينبه، يلفت النظر، كإحدى مفردات التغيير الناعمة، لهذا فهو قوي التأثير رغم ضعفه الظاهري، الذي يحمل المشاهد على الاعتقاد بأنه ينتهي بانتهاء العرض، إنه الفن الذي يتمحور حول الهوية منذ نشأته، ويسمح بتقديم التناقضات، ويكشف عورات المجتمع، يشخصها، دون مطالبته بتقديم وصفة العلاج في الغالب.
رسائل المسرحيات في الكتاب الصادر عن دار العين للنشر والتوزيع بعنوان «مسرح الهجرة» لخوسيه مورينو أريناس، ترجمة د. خالد سالم، تضع خطاً مرئياً تحت مشكلات المجتمع المعاصر، مع مسحة من السخرية والانغماس في تقنية المسرح داخل المسرح، فخوسيه مورينو يحملك لأول وهلة إلى عالم غرناطة الأندلسية بقسمات وجهه المتمازجة، والتي تجمع بين الشرق والغرب، ليبدو وكأنه خرج من مجلس الحكم في قصر الحمراء.
يحتوي الكتاب عدة أعمال مسرحية لخوسيه مورينو أريناس، وتمثل أعماله في إسبانيا، فتتحول خشبة المسرح إلى مرآة، يعكس فيها الجمهور، وهي مرآة مقعرة تعيد صور من ينظرون فيها مشوهة. في مسرحيته «رحلة سفاري» نجد أن الأحداث تجري في مكان في الغابة في قلب إفريقيا، ما يحدث بين زوجين من الجنس الأبيض، وأحد السكان الأصليين الذي يعيش على ذكريات الحقبة الاستعمارية، لكن ما يحدث هو أن القليل من الأشياء قد تغير في العلاقات بين القادمين من عاصمة المستعمر والسكان الأصليين.
على عكس ذلك فإن الخط الجامع لمسرحيتي «الجراج» و«الشاطئ» ليس سوى المهاجرين، وهو أمر يعني إسبانيا، كونها تتلقى المهاجرين، والعديد من الدول الإفريقية، كونها مصدر هؤلاء المهاجرين، ومن اللافت للنظر أنه لا يوجد بطل في المسرحيتين.
في مسرحية «الجراج» تجري الأحداث في مسرح، والشخص الرئيس مواطن إسباني يشغل مقعداً في صالة المسرح، وفي «الشاطئ» نجد مصيفاً يستمتع بيوم راحة في شاطئ في إقليم الأندلس، وهو شاطئ ضمن شواطئ، يصلها موتى أو أحياء، أولئك الذين يغامرون بعبور البحر المتوسط، هروباً من أخطار الحرب، أو بحثاً عن حياة أفضل.
** رحابة أفق
ولد مورينو في أسرة ميسورة محافظة، لوالد تربى في مدرسة دينية، درس فيها بين رجال الدين، فكان رجل أعمال محافظاً، في حين كانت أمه تتمتع بأفق رحب، مع أنها تنتمي إلى أسرة محافظة، كرر الوالد تجربته مع صغيره فأرسله إلى مدرسة داخلية لرجال الدين، ليعيش بينهم سبع سنوات قبل الالتحاق بالجامعة، إلا أنهم تمتعوا برحابة الأفق ففتحوا عينيه على أشياء كثيرة كانت عدته في حياته ومسرحه.
كان ولوجه إلى الدنيا عام 1954 وإلى عالم المسرح في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، درس الحقوق في جامعة غرناطة، فجمع بين المسرح والقانون في حياته المهنية، ويعترف بأن ميوله المسرحية تعود إلى والدته، إلى جانب تشجيع بعض أساتذته لمغامراته الأولى في عالم المسرح، التي أخذت شكلها المهني في عام 1987 بعمله «المطيعون» وفيه يقترب من صمويل بيكيت.
يتمتع مورينو بروح لاذعة وساخرة، وهي إحدى صفات أهل إقليم الأندلس، جنوبي إسبانيا، وهو ما قد يفسره البعض على أنه عنصرية، إذ يلجأ إلى هذه الميزة الأندلسية ليقول ما يريد في لغة تشي بالمشكلات الاجتماعية، بغية الكشف عن العنصريين، ويدلل على وجودهم في المجتمع الإسباني، عند معالجة قضايا المهاجرين الوافدين إلى إسبانيا في تسعينيات القرن الماضي، والسنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين.
من هذه الروح الساخرة خرج مسرح مورينو الرمزي، وأعماله ذات المواقف الحادة، التي تشكل هجوماً ضارياً على المؤسسة، على ما هو متعارف عليه من ثوابت وقوالب جامدة، حيث تركت الفترة الانتقالية في السياسة الإسبانية، بعد وفاة الجنرال فرانكو في نوفمبر 1975، بصماتها على خوسيه مورينو وعلى مجايليه، إذ كان في ريعان شبابه، وهي الفترة التي كانت لبنة فاتحة الديمقراطية، التي تعيشها إسبانيا، بعد أربعة عقود من الحرب الأهلية، في ظل نظام فرانكو.
** نقد عميق
يتسم مورينو بغزارة الإنتاج، وتتواصل نصوصه بطروحات المسرح السيريالي والعبثي أو اللامعقول، مع نقد عميق لعبثية التصرف الإنساني، كما يلاحظ دارس نصوصه أنها تنم عن حالة من الدهشة، كوسيلة لكسر الفكر الأوحد، الذي يهدد حياة الإنسان ويحاصرها، رغم أنه ينفي انتماء شخوصه إلى عالم سيريالي، متشظٍ وغير مستقر، فهذا انطباع وليس واقعاً حقيقياً لهم، ويصعب على الإنسان تصديق ما يحدث في العالم.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"